وصول رفات شهداء ليبيا
قبل ثلاث سنوات، كانوا مناضلين من أجل لقمة عيش لم يجدوها في وطنهم، فهاجروا إلى مصير إرادة الله لهم، قبل ثلاث سنوات كانوا حكايات تروى بين جدران بيوت دفعتهم إلى المجهول، بيوت أرادت أن تحيا ولو بقليل يأتي به الصبية من بلاد الغربة، قبل ثلاث سنوات كانوا قصصًا من الآلام والأشجان بين غابات الوحشة هناك في العالم المحفوف بالمخاطر، كانوا هناك يساقون إلى حافة حياة الخلد الأبدي.
كانت عيون المصريين تغرق في دموع القهر القابض على القلوب، في محنة لم نر مثيلاً لها، وكانت آلة الشيطان تحصدهم ذبحًا، أمام كاميرات نقلت المصيبة إلى خانات الذاكرة الحية التي لا تموت، رحلوا عن دنيا وصعدوا إلى علياء هي الأفضل والأبقى، انتقلوا إلى بارئهم شهداء أبرارًا، لم ينحنِ واحد منهم أمام آلة الموت، رحلوا في إباء وكبرياء، لتبقى قصصهم مرويات عن التماسك وقهر الخوف.
زملائي أحمد صلاح، وعماد ماهر، والمصور سيد حسن انطلقوا إلى قرية العور بالمنيا، بلد الأبطال ورمز الشهادة وعنوان الصمود وبلد الحكايات الصبية، نقلوا لنا في عمل أدبي وصحفي وقائع وصول رفات زكية، عادت لتسكن الأرض التي نشأت فيها، عادوا ليصبحوا جزءًا من أديم الأرض العفية، مزار مبارك يحكي كيف يكون المصري أبيًّا حتى عند الموت، تحية لقرية أصبحت بين يوم وليلة ذاكرة من ذاكرات الوطن الصامد، تحية لشهداء أبرار ولزملاء عاشوا مع أسر الرجال لحظات نقلوها لنا بأمانة.