الصوت الآخر
أعظم ما قيل من الرئيس في مؤتمر الشباب هذه المرة: "المعارضة هي الصوت الآخر الذي يجب أن نسمعه لحل مشاكلنا"، ففي الوقت الذي تنطلق فيه دعاوى تطالب بالحوار مع جماعة إرهابية تورطت في قتل أبنائنا، وتهديد وطننا، لن يكون غريبًا أن نتيح الفرصة للمعارضة الوطنية المسئولة، أن تقول ما لديها خدمة للوطن، حتى لو كان ما تقول على غير ما نريد، فالمعارضة ليس من وظيفتها أن تقول آمين إلا فيما يخص الأمن القومي المصري.
وحتى يتحقق لنا بناء حياة سياسية سليمة، فإن الأمر لا يخلو من تضحيات كبيرة، أولها إخلاء الحياة الحزبية من تدخلات أجهزة الدولة، خاصة وأن تجربة التعددية الثانية التي أريد لها النهوض بالحياة في البلاد إنما وئدت بقرار من أمن الدولة أيام مبارك، ونالت منها الحكومات المتعاقبة حتى صارت أضحوكة، ولم يتبق في الذاكرة إلا بعض صور هزلية من نموذج يدار بقبضة حديدية، وسلسلة من التدخلات والانقسامات والانشطارات في الأحزاب، كان بطلها الأول والأخير عميل ومخبر ورعاية من النظام.
المعارضة ليست ترفًا، إنها بناء حياة يضمن استقرار وتقدم البلاد، واعتمادها على البرامج بديلًا عن فكرة الزعيم الأوحد، والحزب الأوحد التي جربناها أيام عبد الناصر والسادات ومبارك، فلم نجن منها إلا كل تراجع وخراب ودمار، فها هي المملكة التي كانت تضع راياتها على نصف أفريقيا، وبعض آسيا، تقلصت لتصبح في مهب الريح، تبحث عن استقرار لا تجده، تدور في فلك القوى الكبرى، لتتنازل عن أدوارها لصالح قوى إقليمية أثبت التاريخ أنها قادت الأمة إلى الخراب!!
والديمقراطية يا سيادة الرئيس موجعة، مؤلمة، ذات أنياب لا يقوى عليها إلا كل وطني غيور يقبل النقد، ويتسع صدره من أجل وطنه، وينصت إلى معارضيه، ولا يهاب التراجع إذا ما وجد في الطريق الآخر نجاحًا لبلاده.. الديمقراطية أصعب بكثير من حكم الفرد، وهي طريقة حياة تختارها الشعوب الناضجة، ونحن على يقين أننا أمام فرصة تاريخية، لكي يتحمل المجتمع مسئولياته، ولنا في ذلك رصيد تليد قبل حركة يوليو!!
على أن ضرب الأحزاب كان نقمة على البلاد، وهو الذي أدي إلى ثورة الناس في يناير، بعد أن سدت أمامهم طرق التغيير السلمي، وأصبحوا أسرى الحزب الواحد، والرؤية الواحدة، ولم يعد أمام المواطن طريق للتغيير السلمي فخرج إلى الشارع، وفي الخروج إلى الشوارع ثمن لا تقوى عليه بلاد لم ترب نخبة قادرة على قيادة الأمة، الحياة الديمقراطية السليمة هي البناء الأقوى الذي تعتمد عليه الأوطان في التغيير إلى الأفضل، وثمن التربية الديمقراطية ليس هينا، ولا بد أن نكون على استعداد لدفعه اليوم، قبل أن ندفع ثمنًا باهظًا قد لا نقوى عليه.
الصوت الآخر يا سيادة الرئيس لن يكون ناضجًا بين يوم وليلة، ولا بد من الصبر، فالحرية وعاء تربية وتنشئة، تحتاج إلى سنوات من صبر الحاكم على المحكوم، سيظهر على الهامش متكسبون، وستطرح التجربة سماسرة، وسنجنى ثمارا ليست صالحة كلها، ولكنه الطريق الطويل الذي يحمي البلاد من ويلات الخروج إلى الشارع، في النهاية سيكون لدينا جدار وطني صلب، قادر على حماية الوطن أقوى بكثير من الرؤية الواحدة التي جربناها على مدى ٦٥ عامًا، أعادتنا إلى الوراء وقضت على كل ملامح القوة في بلادنا.