الإصلاح بين الناس
لا شك أن أكثر الأعمال ثَوَابا كثيرة وأن أعظمها عند الله هي الإصلاح بين الناس.. المعاملات أساسها الاتصال وأن أي خلل في الاتصال يؤول إلى مشكلة قد ينعزل الناس بعدها عن بعض، ومع تطور الأمور قد يصلون إلى العداء، وكل ذلك يترتب على خطأ في الاتصال كان من الممكن إدراكه في البداية بالإنصات قبل الحديث.
إذا بحثنا في ذاكرتنا كم من مشكلة كان أساسها سوء فهم وإدراك مشوه، حيث يدخلون الناس مع اختلافاتهم في قوالب ثابتة لها مكان في الذاكرة وهو ما يخالف الواقع من اختلاف البشر في كل شىء، وهو ما يتطلب أيضا منا أن نتعرف جليا عليهم ليمكن فهمهم إلا أنه مع كثرة الضغوط وضيق الوقت لم نعد نستمع أو نلاحظ إلا القليل جدا من المطلوب إدراكه، وأصبحت المعاملات افتراضية أكثر منها حقيقية وهو ما نريد تغييره باللقاء وجها لوجه، حينئذ تتغير الأمور للأفضل وعندما يتحقق الأطراف من النوايا والمقاصد من وراء الأفعال يكون الاعتذار عن سوء الفهم واجبا.
عند حدوث خطأ الإدراك واتجاه الحديث للوصول إلى نقطة خلاف مطلوب فقط أن ننصت ونعطى للطرف الآخر الفرصة في شرح وجهة نظره والرد عليه بعد استكمال حديثه، فمن الناس من يستريح ليس عندما تحل مشكلته إنما فقط يستريح عندما يجد من يسمعه بل ويعطيك البدائل والحلول بنفسه.
إن حدث الخلاف فإن معادن الناس الحقيقية تظهر في هذا الوقت، أن كان أصيلا كانت أفعاله أصيلة، حيث لا يظلم ولا يؤذى ولا يتسبب في ضيق لأحد بانتقام غاشم يدخله في دوامات متتابعة، إنما الفعل الطيب يترك دوما الأثر الطيب، وهو ما نراه من علاقات قوية بين الناس بعد اختلافهم حيث يتعرفون أكثر على الوجه الآخر، وهو أكبر دليل على سلامة أفعالهم واستقرارهم النفسي وقيمهم التي تحكم الأفعال لتصبح الصداقة قوية مدى الحياة.
"خيركم من يبدأ بالسلام"، لأنه هو الإيجابى الذي يحاول أن يصل إلى السبب، ويرفض أن تنتهى العلاقات بالصورة التي يمكنه تجاوزها بالحوار واقتحام أسوار العزلة لمن لا يقدرون على الحوار، أنه يفضّل أن يبدأ وهو ما ينهى الكثير من المشكلات بإيجابية.
علينا أن نبدأ بتجاوز كل أخطاء الإدراك بالاتصال الفعّال واختيار المكان والزمان الصالح للقاء من نختلف معهم، وأن تطلب ذلك إدخال أطراف أخرى لضمان توازن القوى والإصلاح لتصفى الأذهان وتهدأ النفوس ولا ينشغل الفكر إلا بالعمل، وننتهى من سوء الظنون الذي يهدر الكثير من الطاقات في أعمال سلبية ننشغل فيها ببعضنا البعض أكثر ما ننشغل بحياتنا وهى الأولى في العمل والسعى للرزق.
الآن نتوجه إلى الإصلاح بين الناس.. فلنفكر فيمن نعرف أن بينهم خلاف ونذهب إليهم ونحاول فإن ثواب ذلك عند الله كبير.