رئيس التحرير
عصام كامل

الشيخ الطبلاوى: أول أجر حصلت عليه كان «خمسة صاغ» والإذاعة رفضتنى لهذا السبب

فيتو

- أدعو للرئيس السيسي بالتوفيق وأن يرزقه الله الحاشية الصالحة

- هذه تفاصيل خناقتى مع زكريا عزمى في "بيت الرئيس"


عاش في رحاب القرآن الكريم، وتلاه بالفطرة والموهبة دون دراسة علم المقامات الموسيقية.. ورغم ذلك تفرَّد في تلاوته، وأثرى وجدان الحياة المصرية والعربية والإسلامية بتلاواته التي تخشع لها القلوب وتقشعر لها الجلود؛ وصفه الكاتب الراحل محمود السعدني، بأنه آخر حبة في السبحة المباركة لقراء القرآن في مصر من زمن العظماء.
إنه الشيخ محمد محمود الطبلاوي الذي تميَّز بمدرسة خاصة في قراءة القرآن الكريم، على الرغم من ظهور نجمه بين كوكبة من عظماء التلاوة مثل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، ومحمود خليل الحصري، وآخرين عظماء.. وامتاز بقوة صوته العذب التي تخترق القلوب مباشرة فتنزل عليها السكينة وتغسلها من الصدأ.
حرصت "فيتو" على زيارة الشيخ الطبلاوى في منزله وتذكرت معه أسرار 8 عقود.. وإلى نص الحوار:



* كيف تعلق الشيخ "الطبلاوي" بحفظ القرآن الكريم؟
- كل شيء كان في تلك البلد "ميت عقبة"، وتعلمت على يد الشيخ غنيم عبيد الزاوي، وكان رجلا فاضلا ومحفظا للقرآن الكريم، وبعد ذلك تعلمت أحكام التجويد ثم معهد القراءات لتعلم أحكام التلاوة.. والحمد لله رب العاملين كل شيء يأتي بالصبر.

* من الشخصية التي تركت بصمة مؤثرة في حياتك؟
- شخصيات كثيرة ليست واحدة، لكن محفظ الُكتاب كان أبرز الشخصيات المؤثرة في حياتي، فكان كل يوم خميس يدعونا لقراءة القرآن ويثني على قراءتي ويقول لي: "يا شيخ طبلاوي أنت صوتك جميل ومؤثر وأنت سيكون لك شأن عظيم في المستقبل، وكنت وقتها طفلًا صغيرًا، وكان يشجعني كلامه أكثر وأكثر على حفظ القرآن الكريم".

* ما أول أجر تقاضيته من قراءة القرآن الكريم؟
- ابتسامة عريضة ملأت وجه الشيخ.. وأتبعها بضحكة مجلجلة يبدو أنها ذكرته بحكايات قديمة قائلا: أول أجر كان في الأربعينيات خمسة صاغ وكان يكفي يوم كاملا أكل وشرب وشاي وسكر وكانت الأسعار مريحة، وكانت الآيات التي قرأتها "وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا"، وكان عمري وقتها 7 أو 8 سنوات لأن الشيخ دربني جيدا على القراءة أمام المجتمع والناس لأعتاد على ذلك.

* ما قصة هذا الأجر؟
- عمدة البلد في تلك الفترة كان يقيم "ختمة" لإحياء ذكرى رحيل والدته المتوفاة، وكان من ضمن المدعوين شيخي في الكتاب الذي حضر تلك الختمة، وفي أثناء الجلسة أثنى عليَّ شيخي، وقال: "والله الشيخ "الطبلاوي" صوته كويس فقرأت في تلك الليلة وأخذت قرش صاغ".

* هل تؤدي كتاتيب تحفيظ القرآن دورها مثلما كانت في الماضي؟
- جاء الرد سريعًا بالنفي وأجاب: لا لا.. الكتاب كان قديما معمل تفريخ، ولا بد أن يأخذ الشخص الذي يدير تلك الكتاتيب أجرا مناسبا لا يقل عن 500 جنيه، وتكلمت في ذلك الموضوع أكثر من مرة في الإذاعة والتليفزيون للاعتناء بالأطفال؛ فكانت الكتاتيب والأسرة قديما تريد أن يكون ابنها حافظا لكتاب الله ليكون مثل الشيخ "الطبلاوي والمنشاوي والحصري"؛ لكن لم يعد ذلك متاحا في العصر الحالي.

* لماذا تراجع دورها في العصر الحالي رغم التكنولوجيا المتقدمة؟
- فكر لبرهة وأجاب مستشهدا بموقف حدث قديما مع وزير للتعليم وهو يقول: كان فيه اجتماع لحفلة فقال لي الوزير: "يا شيخ طبلاوي، كتاتيب إيه، نحن الآن في زمن التكنولوجيا الحديثة؟!.. فرددت عليه: يا أخي خللي التكنولوجيا عندك ومن يريد الكتاب يذهب إليه".

* كيف كانت علاقتك بالقراء في عصر العمالقة؟ وهل كانت منافسة أم صداقة؟
- جميعهم كانوا أصدقائي وأصحابي؛ الشيخ محمود المنشاوي وعبد الباسط عبد الصمد والشيخ مصطفى إسماعيل وكامل يوسف البهتيمي، وكانوا أهل قرآن بمعنى الكلمة وكلهم أحبابي.


* ما أبرز المواقف التي لا تنساها للمشاهير في عصرك؟
- قلَّب "الطبلاوي" في ملفات ذكرياته القديمة يبحث فيها عن علاقاته بالمشاهير في تلك الفترة، فالرجل لم يكن ذا صلة قريبة منهم إلا أنه عاد وتذكر أحد المواقف الحياتية التي حدثت بينه وبين موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، عندما طلب منه موسيقار الأجيال إعطاءه خلفية عن المقامات في الموسيقى فرد عليه الطبلاوي، قائلا: "والله لو أنا غيرت في المقامات يا أستاذ عبد الوهاب مش هابقى الطبلاوي فأنا لي مدرسة خاصة بي نجحت فيها".

* هل كانت تلك المدرسة الخاصة سببا في شهرتك؟
- أجاب على الفور مستشهدا بآيات من كتاب الله: "وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ".. ما دمت مع ربنا فالله سبحانه وتعالى يهيئ لك الدنيا والظروف والناس لأن الموضوع متعلق بالقبول.. والقبول يأتي من رضا الله.


* رغم الشعبية الكبيرة التي حظيت بها في أرجاء مصر، تقدمت أكثر من مرة في اختبارات الإذاعة ورُفضتَ، ما الأسباب؟
- لأني لم يكن لديَّ انتقال نغمي، وعدم معرفة بعلم المقامات، وهو ما تسبب في رفض أكثر من مرة.

* هل انتهى جيل عمالقة القرآن في مصر؟
- استحضر الشيخ "الطبلاوي" مقولة الكاتب الساخر محمود السعدني الذي قال: إن القارئ محمد الطبلاوي كان آخر حبة في سبحة عظماء القراء، ولكنه عاد واستشهد بقوله تعالى: "وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" من سورة النحل، وهو يقول: يمكن يأتي عظماء جدد، واصفا تغير الأزمان والأشخاص والمجالات بأن الناس أصبحت غير الناس قديما وحديثا والمناخ تغير، وكان زمان يوجد الأمان والرضا والقناعة.

* ألا ترى أن قراء الخليج أصبحوا مسيطرين على الساحة المصرية؟
- نفى الشيخ الطبلاوي على الفور وهو يهز رأسه في إشارة لعدم سيطرة قراء الخليج، موضحا أن الأمر لا يتعدى كونه للتذكرة بالمكان الذي يحبه الشخص سواء كان يحب المدينة المنورة أو مكة، فصوت القارئ المصري لا يعلو عليه، مستشهدا بمقولة العاهل السعودي الراحل الملك خالد بن عبد العزيز في أثناء إحدى زياراته للسعودية لقراءة القرآن في جوف الكعبة بأنه قال: "القرآن نزل هنا في الجزيرة العربية وطُبع في تركيا وقُرئ في مصر"؛ فمصر لها مكانة عظيمة وربنا ذكرها في القرآن 5 مرات، و"محدش ييجي على مصر ويكسب أبدا".

* كيف كانت علاقاتك وذكرياتك بحكام مصر؟
- التقيت بالرئيس الأسبق محمد مرسي مرة في أثناء إحدى الحفلات وقلت له: "العاقل من اتعظ بغيره.. خليك ماشي بما يرضي الله ولا تسمع كلام أحد...، والرئيس السيسي الله يبارك فيه ويكرمه خدم مصر كثيرًا، ووضعها في المكانة التي تستحقها، وندعو له في الخفاء بأن يبارك فيه الله سبحانه وتعالى وينصره ويرزقه الحاشية الصالحة.

* ماذا عن المواقف التي حدثت مع الرئيس الأسبق حسني مبارك؟
- حسني مبارك كان رجلًا عظيمًا ومحترمًا، وفي أحد الأيام أقام الرئيس "مقرأة أو ذكرى" لمحمد ابن علاء مبارك في المنزل، وكان أحد القراء مريضًا يأكل الطعام بدون ملح؛ فإذا بالأكل وعليه ملح فقمت وزعقت فجاء زكريا عزمي، وقال: "إنت فاكر نفسك في بيتكم يا "طبلاوي"، فقلت له: "أومال بيت أبوك؟!"، ولا كان يهمني في الحق؛ فسمع الرئيس "مبارك" ما جرى وقال: إيه اللي جرى يا طبلاوي؟ فقلت: والله يا ريس حصل كذا كذا، فطلب الطباخ، وقال: كل طلبات الشيخ "الطبلاوي" تُجاب".

* ما الطقوس الخاصة بك قبل القراءة؟
- ليست لي طقوس خاصة قبل القراءة، وإنما على الإنسان أن يضع الله نصب عينيه لتُفتح له كل الأبواب، فإذا سرت مع الله بشكل جيد ستجد جميع الأبواب مفتوحة، وإذا فعلت غير ذلك ستجد الأبواب مغلقة.. "خليك مع الله وضعه بين عينيك ولا تخف من أحد غيره".

* كيف ترى إعداد مسابقات الأصوات الحسنة التي أعدتها وزارة الأوقاف للمؤذنين؟
- أنا داخل اللجنة التي شكلتها نقابة القراء لاختيار أفضل العناصر، ووجدنا في بعض المتسابقين أصواتًا جيدة وحُسن الأداء، وهما أهم شرطين في المتقدم لأن صوت الأذان الحسن يجذب الناس للصلاة.

* ما رأيك في مضاعفة ميزانية الأوقاف لنقابة القراء؟
- جزى الله وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، كل خير فقد حاول مساعدة النقابة على قدر الاستطاعة، وضاعف الإعانة المخصصة لنقابة قراء القرآن الكريم لتصبح 200 ألف جنيه سنويا بدلا من 100 ألف جنيه، إكراما لأهل القرآن الكريم، وخدمة لكتاب الله، فأصبحت مكافأة جميع شيوخ المقارئ من الأئمة وغيرهم 200 جنيه بدلًا من 100 جنيه، ومكافأة محفظي المكاتب العصرية المعتمدين ومن يتم اعتمادهم من المحفظين بالمكافأة للعمل بمدرسة المسجد الجامع القرآنية 300 جنيه بدلا من 150 جنيهًا.


* هل ما زلت مواظبا على تلاوة القرآن؟
- "أي نعم".. فكنت أختم القرآن أسبوعيا أبدا السبت وأنتهي الخميس، لكن الصحة لم تعد تساعدني. 

* ما النادي الذي تشجعه؟
- ارتسمت البسمة على وجه الشيخ وقال: بحكم الجيرة أنا بشجع نادي الزمالك بكل تأكيد.. وهنا قام الشيخ الطبلاوي بدور الصحفي ووجه السؤال لي وللزميلة المصورة.. إنتي شكلك أهلوية؟ فأجابت على الفور: لأ زملكاوية وجاء دوري فقلت له: وأنا أيضا زملكاوي فضحك الرجل واعتدل في جلسته.

* ما الأصوات التي يطربك سماعها؟
- محمد عبد الوهاب طبعا وأم كلثوم وسعاد محمد 

* ما الرسالة التي تحب أن توجهها للقراء؟
- أحب أن أقول إن الإنسان يجب أن يكون راضيًا عن نفسه ويتقى الله وسيجد أن كل شيء مهيأ له.

* رسالتك للشعب المصري؟ 
- "حافظوا على الرئيس السيسي وخليكوا واقفين معاه، لأن الرجل بيعمر ولا يهدم، وأدعو له بالتوفيق وأن يرزقه الله البطانة الصالحة".

* كيف تستقبل شهر رمضان وما ذكرياتك مع الشهر؟
- أحرص على قراءة القرآن الكريم وختمه وقضاء الأوقات مع الأبناء والأحفاد.

* ما حقيقة تمثيل المرأة في الاجتماعات الشهرية بالنقابة؟
- سيتم مناقشة هذا الموضوع خلال الاجتماع القادم، وهو ضمن القرارات المطروحة للنقاش على أعضاء نقابة القراء، بضم المرأة كعضو فاعل يحق لها حضور الاجتماعات، وتمثيل ما يزيد على 70 سيدة داخل النقابة، ولكن بشرط أن تكون حسنة السير والسلوك وملمة بأحكام التلاوة، فلا مانع من تقدمها وهو مطروح للمناقشة وممكن خلال الفترة المقبلة.

* ما مصير الخلافات الأخيرة مع الشيخ حلمي الجمل؟
- "حلمي الجمل من الآخر كده رجل يحب نفسه، وعاوز يكون على الملأ ومفيش حد غيره، ولكن هو قدم استقالته وأنا قبلت الاستقالة.. وكان في الأول ماشي تمام وكويس وبعد ما قدم الاستقالة قبلناها".

* هل تم التوصل إلى حل واتفاق حول المذكرة التي تقدم بها؟
- "والله إحنا شايفين أنه لا توجد أسباب ولا حاجة، وأنا شايف إن الشيخ حلمي لو كان حابب يجلس لخدمة القرآن فأهلا وسهلا.. وأما إذا كان لا يحب الجلوس لخدمة القرآن فأهلا وسهلا أيضًا"..

* هل يدفع الشيخ حلمي اشتراك النقابة؟
- لم نقبل منه الاشتراك الذي حاول دفعه للنقابة، معقبا: "الراجل مش عاوز يقعد وقدم الاستقالة مع السلامة والله يسهل له".

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ"فيتو"
الجريدة الرسمية