تعذيب المعاقين في عام المعاقين (2)
بلهجة واهنة تغلفها الدموع، بالكاد استطعت أن أستبين من كلمات "نعمت"، الفتاة ضحية رحلة شرم الشيخ، التي نفذتها مديرية الشباب والرياضة بالسويس، تفاصيل الأزمة، والمعاناة التي واجهتها.
قالت لي "نعمت": إنها عادت من مدينة شرم الشيخ، بعد أن اكتملت فصول المأساة التي بدأت بالإهانات و"البهدلة" من مشرفة الرحلة، دون سبب واضح... "واجهتُ إهانة لم أواجهها في حياتي".
"نعمت" لا تعرف المشرفة على الرحلة، مرة واحدة التقت بها "نعمت" قبل الرحلة، التي فازت بها أثناء انتخابات الرئاسة في مصر، حيث قدمت لها أوراقها المطلوبة للسفر إلى شرم الشيخ في نزهة المفترض أنها منحة مجانية، لكن الموظفة طلبت 400 جنيه مقابل "الفسح الداخلية"، فوافقت.
وتضيف: سافرنا، وعندما هممت بركوب الأتوبيس، ونظرًا لإعاقتي في نصفي السفلي، طلبتُ من المشرفة أن أجلس في أحد المقاعد الأمامية، ليسهل عليَّ الركوب والنزول، لأن الباب الأمامي أكثر اتساعًا من الخلفي، وكذلك لأنني أُصاب بدوار من المسافات الطويلة، وقد أتقيأ، لكنها رفضت بشدة، وأمرتني أن أركب من الخلف.
حاولت، وساعدني ابن أختي، وبذلت مجهودًا لا يوصف، حتى تمكنتُ من الدخول.. ولهذا لم أنزل أثناء توقف الأتوبيس في "الريست".
وبعد وصولنا، ولأن حالتي النفسية كانت في منتهى السوء، لم أكن، تقريبًا، أتناول الطعام، لأننا أقمنا في معسكر الشباب، ونظام "البوفيه" يقضي أن من يتأخر لا يتناول طعامه، وأنا حركتي صعبة، ولذلك لم أكن أكبد نفسي مشقة الخروج من الحجرة، ولم أتناول معظم الوجبات، حتى الرحلات الداخلية، رفضت الخروج مع الباقين فيها، وتضامن معي شاب وفتاة.
بعد نشر الفيديو الذي أتوجه فيه بالشكوى للوزير، على موقع "فيس بوك"، فوجئت بمعاملتها لي تتغير تمامًا، وتطلب مني الخروج للنزهة في "خليج نعمة"، واعتقدت أن أحد المسئولين تدخل، وعنَّفها، إلا أن الواقع كان غير ما توقعت، فقد حاكت خطة لالتقاط صور مضادة لتكذيب كلامي..
وبالفعل وجدت شابًا يصورنا، أنا وهي، ونحن نجلس معًا بالمقاعد الأمامية في الأتوبيس.. فرفضتُ، وطلبتُ منه التوقف.. فإذا بها تنقلب تمامًا إلى النقيض، وتصرخ في وجهي بالسباب، قائلة: "أنا هاعلمكم الأدب، وأرحَّلكم الصبح".. حاولتُ تصويرها بالمحمول.. لكنها جذبتني من شعري، وخلعت الطرحة، وخطفت التليفون، وضربتني.
اضطررت لتحرير محضر بقسم الشرطة.. وتدخل مسئول بمديرية الشباب والرياضة، وأعاد لي التليفون.. واستجاب لرغبتي في عدم مصاحبتها في نفس الرحلة، وفعلا عادت الموظفة في أتوبيس الشرقية.. وعند نفق الشهيد أحمد حمدي، كان حتميًّا أن تنضم إلينا لأن طريق الشرقية مختلف.
كان إخوتي قد سمعوا بالمشكلة، وعرفوا بما حدث، فانتابهم القلق بشأني، وانتظروني عند منطقة "المثلث" بمدخل السويس ليطمئنوا عليَّ، ويعيدوني للمنزل.
الغريب أن "دعاء" وأعوانها كانوا قد خططوا لإظهار إخوتي وكأنهم "بلطجية"، فرفضوا نزولي من الأتوبيس، وأمروا السائق بزيادة السرعة للهروب من إخوتي، وأمام توسلاتي وبكائي تدخل بعض الركاب، وطلبوا من السائق التوقف لإنزالي.. فنزلت بالقرب من مسجد "حمزة"، وأنزلوا حقائب، وأخذت أبحث عن تاكسي.
في ذلك الوقت اعتقد إخوتي أن الأتوبيس لن يتوقف إلا في مديرية الشباب والرياضة.. فتوجهوا رأسًا إلى هناك.. حيث كان الأمن والموظفون ينتظرونهم، وبالفعل لقنوهم "علقة ساخنة"، واقتادوهم إلى قسم الشرطة، ثم النيابة العامة؛ متهمينهم بالبلطجة.
ونظرًا لسلامة موقف إخوتي، وبعد أن أنصت وكيل النيابة لهم، وتفهم ما حدث، أصدر أمرًا بالإفراج عنهم فورًا.
الصدمة الكبرى كانت في سلبية موقف مسئولي الشباب والرياضة، الذين لم يحركوا ساكنًا، ولم يأمروا، للآن، بفتح تحقيق في الفضيحة.. وزاد الطين بلة أن بعض زميلات الموظفة المعتدية، قمن بمداخلات مع بعض برامج "التوك شو"، واتهمنني أنني "بلطجية".
واختتمت "نعمت" كلامها، قائلة: من يعيد لي حقي؟! هل من المعقول أن يهان المعاق في العام الذي حدده الرئيس لتكريم ذوي الإعاقة؟!