رئيس التحرير
عصام كامل

«ونس» فرقة طارق عباس لغناء أشهر روائع التراث.. أغاني لطيفة وعبد الحليم في خدمة الفصحى والعامية.. تعليم العربية بالموسيقى فكرة بدأت بجامعة القاهرة واحتضنتها «الأمريكية»

فيتو


كونك تاجرًا، فأنت تبنى حياتك على أساس مبدأ واحد يتمثل في المكسب والخسارة، فتطمح على مدى تلك الحياة في تحقيق مكاسب متكررة، وتبتعد قدر المستطاع عن طرق باب الخسارة.


ولكن ماذا لو وجدت بابا آخر يناديك لتطرقه؛ باب يدعى العلم والموسيقى؟

ما سبق كان ما سارت عليه حياة الطالب الكورى «جي»، الذي يعمل في التجارة بوطنه الأم كوريا، والذي يعتبر مصر أحد أهم الأسواق التجارية الممكن ترويج المنتجات فيها بسهولة ويسر، لذا قرر «جي» المجيء لمصر لتعلم اللغة العربية التي يمكنها مساعدته في توسيع مجال تجارته، ولكنه اصطدم خلال الرحلة بمدى صعوبة تعلم وفهم اللغة العربية التي تصنف على أنها إحدى أصعب لغات العالم، رغم أبجديتها الصغيرة المكونة من ٢٨ حرفا فقط.

رحلة جي
كاد يفقد جي شغفه بتعلم العربية، لولا اصطدامه بالباحث والملحن الموسيقى طارق عباس، الذي تراه يجلس في سكون وتعلو وجهه ابتسامة دائمة لا تفارقه رغم فقدانه بصره، إلا أنه لم يفقد قدرته على الابتسام.

تعلم اللغة العربية على يد «عباس» يبدو مختلفًا كليا عما هو تقليدى في مراكز تعلم اللغة للأجانب، حيث اعتمد على فكرة جديدة وطورها لتعليم لغة الضاد بالموسيقى، وعلى الرغم من أن تجربة عباس التعليمية جديدة على المجتمع المصري، فإنه يدّعى ابتكارها، وهناك بعض الدول الأوروبية التي توجهت للموسيقى في التدريس، ولكنها المرة الأولى التي يتم فيها تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها من خلال الموسيقى.

العود
في مدرج مركز اللغة العربية للعلوم والثقافة بجامعة القاهرة، تجد عباس ممسكًا بالعود ويجلس أمام تلاميذه ليؤدى أمامهم أغانى بالعربية الفصحى والعامية المصرية لاستخلاص قواعد في اللغة، حيث إن الفكرة بدأت تجريبيا في جامعة القاهرة، ومن ثَمَّ جذبت الكثير من الراغبين في التعلم من الباحثين والعاملين في الشركات العالمية وأبناء البعثات الدبلوماسية الأجنبية في مصر، فتنوعت جنسيات الطلبة بين الكوريين والصينيين واليابانيين، ليتعلم الطالب، خلال درسه مع عباس، كيفية استخلاص القاعدة من الأغنية وكيفية إجراء حوار يومى منها، فكيفية طرح السؤال يمثّل لها بأغنية: «لو سألتك إنت مصرى تقولى إيه؟ تقولى مصرى ابن مصري..»، ويمثل للماضى والتأنيث بأغنية: «قارئة الفنجان»، في مقطع: «جلست والخوف بعينيها، تتأمل فنجانى المقلوب» للفنان الراحل عبد الحليم حافظ.

المكاسب
ويرى عباس أن فكرته في تعليم اللغة بالموسيقى، تحقق الكثير من المكاسب، أولها تنشيط ذاكرة الطالب وتثبيت المعنى، وتوسيع نطاق لغة الضاد عالميا، إضافة إلى نشر الثقافة العربية شرقا وغربا، وإقامة جسر من التواصل الحضارى بين العرب والآخرين.

ولكن لماذا الموسيقى –خاصة- لتعليم اللغة؟ يجيب عباس عن هذا التساؤل، فيؤكد أن الموسيقى هي لغة تواصل عالمية، فأبجدياتها ثابتة ومعروفة للجميع على الرغم من تغير مذاقها ولونها من منطقة إلى أخرى في العالم، إلا أن الأساسيات ثابتة، فالفرنسى يعزف نفس النغمات التي يعزفها المصري، والأمريكى يعزف ما يعزفه السوداني، على الرغم من اختلاف روح العازفين وخلفياتهم الثقافية.

ويرى عباس أن أكثر المشكلات التي استطاع التغلب عليها في تعليم اللغة للأجانب، تتمثل في عدم قدرتهم على نطق الأحرف الحلقية مثل الحاء والعين؛ نظرًا لعدم استخدامها في لغتهم الأم، وهو ما استطاعت الموسيقى التغلب عليه، فعندما بدأ الطلاب بالغناء وترديد الأغنيات المختلفة؛ استطاعوا نطق الأحرف بشكل أفضل.

نجاح الفكرة دفع عباس إلى تقديمها إلى الجامعة الأمريكية في القاهرة لتطبيقها، وعلى الرغم من انبهارهم الشديد بالفكرة وثقتهم في مردودها على الطلاب، فإنهم اعتذروا عن عدم تطبيقها وأرجعوا سبب رفضهم إلى أن نظام الجامعة لا يقبل بأن يدرس فيها مدرس كفيف! الأمر الذي أشعل في رأس عباس فكرة إقامة فرقة موسيقية من طلابه لغناء أبرز وأشهر أغنيات التراث، تحت مسمى «فرقة ونس».

وانطلقت «ونس» في أول حفلاتها على مسارح دار الأوبرا المصرية، التي قررت رعاية المشروع وتقديمه على مسارحها، في حفل فنى أقامته الشهر الماضي، حققت خلاله نجاحًا كبيرًا، واستطاعت خلق قاعدة جماهيرية يستند عليها عباس لإتمام مشروعه الفني.

نقلا عن العدد الورقي..

الجريدة الرسمية