«الوثيقة» عن أسباب وجذور الأزمة الاقتصادية!
عزيزي القارئ.. اصبر قليلا واقرأ السطور التالية لآخرها، "لا بد أن نلاحظ أنه على الرغم من الصعوبات التي واجهت الاقتصاد المصري في أعقاب 1967 لم يكن من بين الحلول التي لجأ إليها عبد الناصر إغراق مصر بديون لا تستطيع الوفاء بها، فمع ضخامة الأعباء والتضاؤل الشديد في الموارد الذاتية كان سد العجز يتم في الأساس بالمنح التي لا تولد أي أعباء مالية، أو بالقروض من الكتلة الشرقية ذات الشروط بالغة اليسر، ولم يلجأ عبد الناصر إلى الاقتراض باهظ التكلفة (اقتراض قصير الأجل وتسهيلات الموردين) إلا في حدود لا تتجاوز 27 % من إجمالي العجز في العملات الأجنبية.
كان الثمن الذي دفعه الاقتصاد المصري لذلك يتمثل في الانخفاض الشديد في معدل التنمية، ولكنه كان اعتقادا يمثل اختيارا حكيما.. إذ كان من شأن التورط في الديون في تلك الفترة أن يجبر مصر في وقت لاحق للتخلي عن أي محاولة لمتابعة مسيرة التنمية المستقلة التي بدأها عبد الناصر في نهاية الخمسينيات.
كان من شأن هذا الاختيار أن كانت وقت وفاة عبد الناصر لا تحمل إلا عبئا هينا نسبيا من الديون فيقدر خالد إكرام، خبير له مرجع مهم باللغة الإنجليزية عن الاقتصاد المصري، إجمالي ديون مصر المدنية (بما في ذلك كل الديون طويلة ومتوسطة وقصيرة الأجل) في 31 ديسمبر 1971، أي بعد نحو سنة من وفاة عبد الناصر بما لا يزيد على 1300 مليون دولار، لا تزيد نسبتها إلى الناتج القومي الإجمالي على نحو الربع، وبلغت نسبة خدمة الديون كلها مدنية وعسكرية بمختلف أنواعها طوال السنوات 67 /1972 نحو 33 % من إجمالي الصادرات من السلع والخدمات.
إن من المفيد تذكر هذه الأرقام عندما نأتي لوصف حالة المديونية الخارجية لمصر في نهاية الثمانينيات، إذ إن ما كان يبدو عبئا باهظا في 1970 يبدو الآن عبئا يسيرا للغاية إذا ما قورن بحجم المديونية وعبء خدمة الديون بعد وفاة عبد الناصر بعشرين عاما، كما أن من المفيد أن نتذكر الفارق البين بين هيكل المديونية في نهاية حكم عبد الناصر وهيكله في 1990.
ففي نهاية 1971 كان إجمالي الديون المدنية موزعا بالتساوي تقريبا بين الكتلتين الشرقية والغربية فيما كانت الديون المستحقة إلى الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية والصين تشكل نحو 43 % من إجمالي ديون مصر كانت الديون المستحقة للدول والمؤسسات الغربية والبنك الدولي تشكل 46 %، وباقي كان دينا للكويت وسوف نري كيف زال هذا التوزن بالتدريج خلال السبعينيات والثمانينيات حتى أصبحت الديون المستحقة للدول والمؤسسات الغربية- مضافا إليها اليابان- تشكل النسبة العظمى من إجمالي مديونية مصر"!
الكلام السابق كله للمفكر الدكتور جلال أمين من كتابه الشهير "الاقتصاد المصري من عهد محمد على إلى عهد مبارك"، صفحتي 64 و65، وهو يحوي أرقام الاقتصاد المصري كله للرؤساء الثلاثة وهو إن لم يكن معاديا لعبد الناصر فهو ليس من أنصاره.. إلا أن الاقتصاد عند الرجل كما هو عند الجميع أرقام وتحليل والرقم وثيقة.
وانصاع الرجل للحقيقة بالأرقام وبما يلجم كل مدع تحميل عبد الناصر سبب أزمة الاقتصاد المصري من كتاب الغبرة ومدعي الخبرة هذه الأيام من في الاقتصاد الذي آن لهم أن يقرأوا أولا ويفهموا ثانيا قبل أي سطر من عادة علنية سيئة يمارسونها هذه الأيام!
على المصريين معرفة حقيقة-حقيقة- مشكلاتهم.. ليس فقط لعلاجها وإنما أيضا لعدم تكرارها والوقوع فيها مستقبلا!