صدمة وقلة حيلة.. كيف استقبل المواطنون زيادة أسعار تذكرة المترو لـ«7 جنيهات»؟
في الساعات الأولى من صباح اليوم الجمعة، قصد "إبراهيم محمود" 48 عاما، محطة مترو المظلات بخط الجيزة، متجها إلى ورشة خراطة المعادن التي يعمل بها في منطقة عين حلوان جنوب شرق القاهرة، أخرج من جيب بنطاله جنيهين، تقدم واثق الخطى نحو شباك حجز التذاكر المواجه لمدخل المحطة الرئيسي، يطلب تذكرته كما اعتاد كل يوم، ليسأله المحصل "رايح فين؟" يتعجب إبراهيم من السؤال في أول الأمر، يجيبه بعفوية "نازل محطة عين حلوان"، فيجيب الطرف الآخر وقد تقلصت ملامح وجهه "هات خمسة جنيه كمان، التذكرة بسبعة جنيه، مش سامع الإذاعة الداخلية؟"، دقيقة تلو الأخرى تمضي، الطابور يمتلئ خلف إبراهيم الذي ظل واقفا في مكانه، في الخلفية يتردد صوت الإذاعة الداخلية لمحطة المترو، بينما لا تزال حسابات بسيطة تجرى في عقل عامل اليومية، سبعة جنيهات ذهابا ومثلهم إيابا، فمسكنه في مدينة قليوب وعليه دفع الـ 14 جنيها وإلا لن يتمكن من العودة إليه.
في مساء أمس الخميس خرجت الشركة المصرية لإدارة وتشغيل مترو الأنفاق، ببيان تؤكد فيه تطبيق الزيادات الجديدة على تعريفة تذكرة مترو الأنفاق وتقسيمها لثلاث شرائح، الشريحة الأولى 9 محطات تكلفتها 3 جنيهات، الثانية 16 محطة وثمنها 5 جنيهات، والشريحة الثالثة أكثر من 16 محطة وثمنها 7 جنيهات.
داخل إحدى عربات مترو خط حلوان، وقف أحد الموظفين بالقطاع العام، والذي تجمد راتبه الشهري منذ ثلاثة سنوات عند مبلغ الـ 2500 جنيه ذاته، مرددا ما تصدره الإذاعة الخارجية من بيانات : "في إطار حرص الحكومة على تنفيض ما تبقى من جنيهات في جيب المواطن محدود الدخل وأصحاب الطبقة المتآكلة التي كان يقال عنها المتوسطة، مبقاش فيه طبقة متوسطة"، بينما يمنعه زميل له عن التمادي في التعبير عن غضبه جهارا في منتصف العربة: "دول حتى معندهمش ثقافة تمهيد الأمر للمصيبة، بيفاجئونا كل ليلة جمعة، علشان يجسوا نبضنا".
أما محمد العامل بأحد مصانع منطقة "حلوان"، فقد قرر أن يواجه الارتفاع الصادم والمفاجئ، بطريقته الخاصة من خلال شراء التذكرة الخضراء فئة الخمسة جنيهات، والنزول إلى محطة "كوتسيكا" واستكمال الرحلة سيرا على الأقدام، "بدل ما أدفع 7 جنيهات هدفع 5 وأمشي الباقي، وأوفر الاتنين جنيه لعيالي".
أما الأسطى علي الذي تقاعد منذ خمس سنوات بعد انتهاء عمله في أحد مصانع النسيج، ليعمل في إحدى ورش صناعة المنسوجات في منطقة سراي القبة، لتعينه اليومية على الأعباء المعيشية بجانب معاشه، فقد توجه إلى شباك التذاكر في محطة مترو حدائق المعادي، ليقطع نصف تذكرة كونه ضمن فئة كبار السن، التي أعلنت هيئة المترو فيما سبق أنه لا مساس بسعر تذكرتها التي تبلغ قيمتها جنيها ونصف الجنيه، ليفاجأ بالمحصل يخبره بأن الخصم جنيه واحد فقط، "رحت اشتري تذكرة الصبح علشان أروح شغلي في سراي القبة وخرجت جنيه ونصف من جيبي أشتري نصف تذكرة، قالي ستة جنيه يا حاج الخصم جنيه واحد، خدتها من إيده ومشيت ما باليد حيلة هنعمل إيه، الحكومة تأمر وإحنا ننفذ، قالوا 2 جنيه وصبرنا، هما عارفين إن مفيش بدائل قدامنا غيره، إحنا ناس دخلها بالكاد يكفي أكل وشرب، هدفع في اليوم للمترو فقط 14 جنيها!".
"عايزة تعرفي رأينا في الزيادات انظري لعيون الناس حولك"، جملة يطلقها مسن ليعود لصمته مجددا.
تتمتم منار 23 سنة بكلمات غير مفهومة ممسكة بالتذكرة الخضراء فئة الخمسة جنيهات، "حسبي الله ونعم الوكيل أنا يوميتي 60 جنيها هيروح منهم 20 جنيها بس في اليوم على المترو ده يرضي مين؟!".
تعمل منار خادمة في إحدى فيلات شارع 6 بالمعادي، وجهتها اليومية من عرب غنيم بحلوان حتى محطة مترو المعادي، فضلا عن 2 جنيه أجرة سيارة ميكروباص ينقلها من أمام محطة المترو حتى بيتها، لم تجد منار التي فوجئت هي أيضا برفع سعر تذاكر مترو الأنفاق مفرا من دفع السبعة جنيهات، فأجرة السيارة من منزلها حتى المعادي تفوق العشرة جنيهات، يقاطعها أحد المارة بالمحطة قائلا: "إنتو فاكرين السبعة جنيه كتير المواصلات برة أغلى، ده قرار سليم والمهم يزودوا الخدمات بالمترو".
فئة أخرى كانت أكثر تضررا من قرار وزارة النقل برفع تعريفة تذكرة مترو الأنفاق رغم ترديد الوزارة عبارة "لا مساس بأسعار اشتراكات وتذاكر الطلبة"، بصفة خاصة طلاب جامعة حلوان، ممن يقطنون بمنطقة شبرا أو ضواحيها، فعليهم المرور بأكثر من 25 محطة، ما يعادل 7 جنيهات ثمن التذكرة الواحدة.
كانت الضحكات الهيستيرية تصدح في أرجاء عربة السيدات بمحطة "سانت تريزا" من قبل مارينا وإسراء وفريدة، ثلاث فتيات في العام الجامعي الثاني بجامعة حلوان، قررن استقبال الصباح الأول بعد ارتفاع ثمن أرخص وسيلة مواصلات في مصر، بـ "السيلفي"، حيث أخرجت كل واحدة تذكرتها الوردية، أمسكت بها لتلتقط إحداهن الصورة، استعدادا لرفعها على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، "إحنا كان لازم نخلد اللحظة دي!"، عبارة تقولها إسراء، فتقاطعها مارينا قائلة "إحنا السنتين الجايين هنوفر فلوس وهننزل على الامتحانات بس، مش كل يوم أكون واخدة مصروف 30 جنيها أدفع منهم 15 جنيها مترو فقط".