رئيس التحرير
عصام كامل

أحمد العوابدي يكتب: لماذا ينجح محاربو الأزهر ويخفق وعاظه

أحمد العوابدي
أحمد العوابدي

تحدثوا ــ قولهم باطل ــ بأن خريجي الأزهر إرهابيون، مجلبون للشر والبؤس يأتون بالفتاوى الشاذة وأن الأزهر لا حق له في تخريج رجل الطب، والهندسة، والحقوق، وغير ذلك، فمن جهلهم أنهم يحدقون أعينهم في أمور قد لا يكون لها أساس من الصحة، ويتجاهلون رجال الأزهر النافعين المجددين المتفوقين ــ بقصد ــ ولعل السبب في ذلك أن المحاربين يتكلمون عن الأشياء الخيالية كأنها حقيقية، والواعظين يتكلمون عن الأشياء الحقيقية كأنها خيالية، فهم يريدون أن يطفئوا نور الأزهر، بإرهابهم وبزعمهم، والله متم نوره ولو كره المحاربون.


لنتصور مدينة من المدن عاش أهلها من غير رجال الأزهر، حيث لا علماء، لا ناصحون، لا أخلاقيون، أتصور أنهم يعيشون عيشة جافة شقية، أُفقهم في الحياة ضيق محدود، بعمرهم القصير في الحياة الدنيا، جمهورها لا يجدون سند للأخلاق والفضائل، لا وازع ديني، ولا ضمير، فعاشوا من أجل ذلك عيشة تعيسة، لا يلطفها الأمل، ولا تريحها الطمأنينة.

فالأزهر أهم باعث على الأخلاق والدين، يدعو إليهما بدعوة حارة، دعوة ممزوجة بالعاطفة، ممزوجة بالإيمان، حيث إنه يتجلى في أسمى مظاهر الإنسانية، ولا سيما في أوقات الشدائد، من عطف على الفقراء، ومواساة الجرحى، والمنكوبين، ومن أصيبوا بزلازل أو براكين، أو حريق أو غريق، أو قتيل، كما هو معلوم لدى الجميع ؛ فلنتصور ــ إذًا ــ ما يكون شأن الإنسانية إذا فقدت كل هذه المناهج والمؤسسات الأزهرية، إن العالم بلا أزهر عالم بلا قلب، فهو نعمة أنعم الله بها على المجتمع الإسلامي، وخير قائد لها.

هذه ناحية، ومن نواحي أخرى أن المحاربين يصنعون الإرهاب بفكرهم وتشكيكهم، ويزعمون أن القضاء على الأزهر ومناهجه هو السبيل للخلاص من الإرهاب، لكن ماذا لو لم ينقضي بعد كل هذا ! فمن كثرة قولهم أوهمونا، وكأن إرهابي المجتمع هم خريجو الأزهر ــ فقط ــ فالإرهاب ظاهرة معقدة، لها أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية وأمنية، ولو اختزلنا هذه الأبعاد في بعد واحد فقط، أو حتى في كل الأبعاد دون أحدها؛ فلن نفلح إذًا أبدًا، فبدلًا من دعوتكم للقضاء على الأزهر وتشويه صورته، ابحثوا جيدًا عن الداعي للإرهاب، حتى نضع أيدينا على المنبع الحقيقي، ونتكاتف سويًا لمحاربته ــ كما يفعل الأزهر أما أعينكم ــ فلماذا نحصر التفكير على الأزهر فقط ؟ هل لعدم قدرتكم على إيجاد البديل؟ ومن البديهي أن يتخرج في الأزهر بعض من أولئك الذين تجردوا من إنسانيتهم وأخلاقهم وتعليمهم واتبعوا سبيل الشيطان وعاثوا في الأرض إرهابًا، ليلتحقوا بآخرين لم يروا الأزهر أو يتعلموا منه شيء، لكن لماذا لو اخطأ واحد من بين ألف تطلقون التعميم على الجميع؟ هل هذا عدل وإنصاف؟ أم قول مرسل وإسفاف؟!

ولو نحن نظرنا نظرة شاملة لوجدنا؛ أن تاريخ الأزهر برئ من هذه الخرافات والأكاذيب كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب ــ عليه السلام ــ فالأزهر حررنا من العبودية وساهم رجاله في محاربة المعتدين على أوطاننا وأتى رجاله بالإستقلال ــ حيث وجدنا الحرية والعيش الكريم ــ ولم ينته دوره فحسب، بل ما زال ولا يزال وسيظل طلابه، وخريجه، حماة للوطن، محاربين للإرهاب سواء بإلتحاقهم بجيشنا الباسل، فيكونوا في مقدمة الصفوف لمواجهة الإرهاب، بصدق وعزيمه وايمان ــ هذا ليس تفضلًا ولكن واجب عليهم ــ فلو استشهد بعضهم، وهب الباقون أنفسهم لخدمة الوطن، ومحاربة الإرهاب، سواء على منابر العلم أو في تجمعات القوم.

فإن نحن تساءلنا: لماذا الآن هذا الهجوم اللاذع على الأزهر، وعلي رجاله، أليس هم أهل الوسطية ومدعيها؟ فلو صدقنا بقولكم إن مناهج الأزهر منبع للإرهاب فبأي دليل تستدلون؟ وبأي حجج تقنعون؟ فعلماء الأزهر وطلابه محاطين بسياج يبعث فيهم عزة النفس والكرامة، وأفهم للدين وأزهد الناس في الدرجات والعلاوات، وأن ليس للأزهريين حق إلا أن يعيشوا عيشًا موفورًا لا ذلة فيه ولا ضعة، وعلي الحكومات أن توفر لهم ذلك، ويكون المساس بالأزهر ومهاجمته كالمساس بأمن البلد ومحاربته، فإن كنتم منصفين فارفعوا أيديكم عن الأزهر، فلا يجب الخلط بين الأوراق، وراجعوا الأحداث التي شهدتها مصر وتصدي الأزهر لخفافيش الظلام من التنظيمات الإرهابية، ودواعش الفكر المتشدد، وانحيازه لإرادة الشعب المصرى ومصالحه، والدفاع عن الدين ووسطية الإسلام، ويبقى التساؤل: ما الذي يستفيده أولئك المحاربون للأزهر ورجاله ومناهجه؟!
الجريدة الرسمية