رئيس التحرير
عصام كامل

أحمد العوابدي يكتب: «من شاء أن يسعد»

فيتو

إننا جميعًا نتطلع إلى السعادة، ونبحث عنها، فهي مطلب ورغبة وحاجة أساسية لدى الكثير، لكن كل إنسان له نوع خاص من السعادة، فقد تكمن في جمع الأموال والعيش برخاء، أو التمتع بكل ملذات الحياة، وربما تكمن في القرب من الحبيب وإكمال الحياة معه، وقد تكمن في الحصول على أعلى المراتب العلمية أو تقلد المناصب الكبرى، أشياء كثيرة يرى فيها الإنسان أنها سبب لسعادته، لكن السعادة الحقيقية تكمن في أن يكون قلب الإنسان عامرًا بحب الله سبحانه وتعالى، فيعيش براحة وطمأنينة ورضا وقناعة، ولا يلتفت إلى الأشياء المادية الفانية.


فالسعادة يا سادة تسكن القلوب العامرة بالإيمان، الراضية بقضاء الله وقدره "قيل للسعادة أين تسكنين قالت في قلوب الراضين بقضاء الله" فالرضا راحة للبال وطاعة للرحمن، وسيرٌ على طريق الجنان، فلماذا نمنع أنفسنا من السعادة ؟ اعلموا يا سادة أن رأس السعادة هي الإيمان بالله، فالإيمان يُشبع الجائع ويُغني الفقير ويُسخي الشحيح ويقوي الضعيف ويجعل للإنسان من وحشته أنسًا، ومن خيبته نجاحًا.

يا سادة لماذا نربط السعادة بالمال والغنى والذهب؟ لماذا نطلب ونحن نمتلك الكثير من الذهب والأموال قد أنعم الله بها علينا!! لا تتعجب أيها القارئ... أليس البصر ذهبًا كثيرا، والصحة ذهبًا كثيرا، والعقل ذهبًا كثيرا، أليست هذه النعم كلها ذهب وأموال لا تقدر بثمن، فلا يعرف حقيقة وقيمة هذه النعم إلا من سلبت منه.

أحكي لكم قصة رجل زعموا عليه أنه سأل ربه في ليلة القدر أن يحول كل شيء لمسته يده ذهبًا، فمس الحجر فصار ذهبًا، فكاد أن يجن من فرحته واستجابة دعوته، فانطلق مسرعًا إلى بيته لا تسعه الدنيا، فعَمد طعامه ليأكله فصار ذهبًا وأصبح جائعًا، فأقبلت عليه ابنته تواسيه فعانقها فصارت ذهبًا، فقعد يشكي ويسأل ربه أن يعيد إليه ابنته وطعامه ويصرف عنه الذهب، فلماذا نطلب الذهب ونحن نملك ذهبًا كثيرًا.

سوف أضرب لكم مثالا آخر لكي يتضح الأمر، تخيل نفسك أنك في صحراء جرداء لا زرع بها ولا ماء وقد انقطعت بك السبل، وكدت أن يُغشى عليك من الجوع والعطش، فصرت تبحث لكي تنقذ نفسك من الموت، لكن لم تجد شيئًا يروي عطشك أو يسد رَمقك، فجلست تعيسًا مهمومًا تنتظر الموت وفجأة وجدت كيسًا من الجلد، فذهبت إليه مسرعًا ظننًا منك أنك تجد فيه ماء أو طعام، لكن وجدت به أموالا!! ما شعورك في هذه اللحظة!! هل سوف ينفعك هذا المال وأنت في هذه الصحراء؟ هل بعد كل هذا تعتقد أن السعادة بالمال.

إن تحقيق السعادة يعتمد في المرتبة الأولى على علاقة الإنسان بخالقه، فتزداد هذه السعادة وتكبر وتَستديم كلما توثقت علاقته بالله عز وجل فذهبت عنه الهموم وزالت الغموم وطهر قلبه من الحسد ونقى من الحقد، وأخرجت منه البغضاء، وزالت منه الشحناء، واجتنب الكسل والعجز، وهجر الفراغ، وتوكل على الله ورضي بحكمه ولجأ إليه واعتمد عليه وعفا عمن ظلمه ووصل من قطعه وأعطى من حرمه وتجاوز عمن أساء إليه.

يقول الشاعر.. «ولست أرى السعادة في جمع مال، لكن التقي هو السعيد».

فيا أيها القراء إنكم سعداء لكن لا تدرون، سعداء إن عرفتم قدر النعم التي تستمتعون بها، سعداء إن عرفتم نفوسكم وأنتفعتم من المخزون من قواها، سعداء إن طلبتم السعادة من أنفسكم لا مما حولكم، سعداء إن كانت أفكاركم دائما مع الله فشكرتم كل نعمة وصبرتم على كل مصيبة، وتَغلبتم على كل الصعاب، فأني أتذكر جيدًا قول أحد الكتاب فيقول "إن الصعاب في الحياة أمور نسبية، فكل شيء صعب جدًا على النفس الصغيرة جدًا، ولا صعوبة عظيمة على النفس العظيمة، فهي تزداد عظمة بمغالبة الصعاب، أما النفس الهزيلة تزداد سقمًا بالفرار منها، أنما الصعاب كالكلب العقور إذا رآك خفت منه وجريت نبحك وعدا وراءك وإذا رآك تهزأ به ولا تعيره اهتمامًا وتبرق له عينك أفسح الطريق لك وانكمش في جلده منك".

فمن شاء أن يسعد فلا ينتظر السعادة أن تهبط عليه من السماء، لكن أنت من تزرعها في أرضك، وأنت من تجني ثمارها بيدك فينسجم بها عقلك وروحك وجوارحك وتكون حياتك مليئة بالاستقرار والراحة النفسية البعيدة عن مصاعب الحياة والأوجاع.
الجريدة الرسمية