عن تطهير القضاء أتحدث (2)
استكمالا للأسباب التى تعوق عملية تطهير القضاء، والتى سبق الإشارة إليها من خلال المقال السابق، نجد أن أهم سبب يدفعنا إلى وقف تلك العملية فى هذا التوقيت هو نظرة من فى السلطة اليوم لمفهوم العدالة الانتقالية بصورة عامة، ومفهوم القصاص بصورة خاصة.
ففيما يتعلق بمفهوم العدالة الانتقالية، نجد أن النظام الحالى له نظرة انتقائية للغاية، فهو يرى أن ما ارتكبه النظام السابق من جرائم لا يمكن علاجه إلا بتطهير المؤسسة القضائية فقط، متجاهلا أن معظم مؤسسات الدولة، وليست المؤسسة القضائية فقط، كانت سببا رئيسيا لتلك الجرائم، وعلى رأسها وزارة الداخلية، التى تجاهل الرئيس الحالى كل النداءات التى تطالبه بضرورة إعادة هيكلتها، باعتبارها السبب الرئيسى والأول قبل القضاء فى إخفاء الأدلة التى تدين النظام السابق، وهو ما أكده معظم القضاة، وأيده الرئيس نفسه قبل وصوله إلى السلطة، لكن وعلى الرغم من كل ذلك إلا أنه، وبعد وصوله إلى السلطة، امتنع عن القيام بأى محاولات لإصلاحها، وفضل أن يتخذها كأداة لحمايه نظامه، وقمع معارضيه.
أما فيما يتعلق بمفهوم القصاص، فنجد أن النظام الحالى ومؤيديه ممن يطالبون بتطهير القضاء، ينظرون إليه نظرة ضيقة للغاية، ويتعاملون معه وفقا لمبدئهم المعروف الذى هو "شهداؤنا وشهداؤكم".
فهناك عدد من الأسئلة، التى لابد وأن يواجه بها كل من يطالبون اليوم بالقصاص للشهداء أنفسهم، وهى ماذا عن سقوط شهداء جدد فى عهد الرئيس مرسى، وماذا عن قيامكم كمتظاهرين تطالبون بالقصاص للشهداء، وفى نفس التوقيت تقومون بمسح جرافيتى لشهداء آخرون؟ وهل مطالبتكم بالقصاص تشمل جميع الشهداء الذين سقطوا بداية من الثورة، مرورا بالمرحالة الانتقالية، وانتهاء بعهد مرسى، أم أنها قاصرة على شهداء الثمانية عشر يوما فقط من الثورة؟
وأخيرا، أود الإشارة إلى أن أى إجراءات استثنائية سيتم اتخاذها فى هذه الظروف ستزيد المشهد اشتعالا، فسبق وأن قام الرئيس مرسى باتخاذ إجراءات استثنائية، من خلال إعلان دستورى مشئوم، وعد بأنه سيكون بمثابة وثيقة لتحقيق العدالة الانتقالية، والقصاص للشهداء، ولم نجن منه سوى انقسام الشعب، وإراقة دمائه.
ولذلك فإن الحل لا يجب وأن يكون إلا من خلال إطار قانونى، مُتفق عليه من كل التيارات والأحزاب السياسية، من خلال قانون شامل للعدالة الانتقالية يقره مجلس النواب القادم، يقوم على أساس خطة كاملة لتطهير كل المؤسسات التى شاركت فى كل الجرائم التى حدثت فى عهد كل من مبارك، والعسكر، والإخوان.
تمت
nour_rashwan@hotmail.com