رئيس التحرير
عصام كامل

لا شك أن!


كثير من المقالات تبدأ بهذا التعبير "لا شك أن..."، ثم يأتي الإسهاب والسرد في الموضوع، لكن هنا أود أن أسرد الموضوع أولا فهو جد خطير ولا يحتمل أي مقدمات، خاصة لا شك أن....! فقد بات مؤكدا أن الإنسان هو المسئول عن أي شكل حضاري وثقافي وإبداعي في أي مكان على الأرض، مع اختلاف مواصفات وملامح هذا الشكل، إيجابية كانت أم سلبية..


وكلما تعددت خبراتنا الشخصية من خلال السفر ومشاهدة ومعايشة وتأمل هذه الأشكال في كل مكان في العالم، نشعر بحزن على ما نحن فيه من تدني جودة الحياة، من حيث مكوناتها الأساسية متمثلة في الحق في الحياة الكريمة التي يتمتع فيها المواطن بحق كامل دون تمييز في التعليم الأساسي الجيد والصحة والسكن والغذاء والكساء والمواصلات والحرية والمساواة والعدل والأمن!

ما القوة الخارقة التي تقف خلف جودة الحياة في أوروبا وأمريكا وكندا وتركيا وسنغافورة واليابان وكوريا الجنوبية وما القوة الخارقة التي تقف خلف تدني جودة الحياة في الكثير من بلدان العالم وعلى رأسهم الشرق الأوسط والكثير من الدول العربية.

من واقع معايشة حقيقية وحياة وسفر إلى بلاد كثيرة في كل أنحاء العالم، اكتب هذه الكلمات من مطار شارل ديغول بمدينة باريس - فرنسا، في انتظار رحلة عودتي من أوروبا إلى الولايات المتحدة، وأسرد دون مقدمات رؤيتي التي تتلخص في جملة واحدة هي 

"الإنسان هو المسئول عّن صناعة مثلث الحياة"، وهو مثلث يسكن فيه الإنسان في كل مكان فهو محور ارتكازه ويقطن زواياه الثلاثة التي تتحكم في ملامحه، أما الزاوية الأولى فهي زاوية الرؤية والتخطيط والإبداع، والزاوية الثانية هي زاوية العمل والمتابعة، والزاوية الثالثة هي زاوية الثواب والعقاب، ومخرجات التفاعل بين منتجات الزوايا الثلاثة قد تنتج للحياة مثلث رخاء أو مثلث هلاك، وعن كل زاوية اتحدث في السطور التالية مؤكدا أنهم جميعا من صنع الإنسان:

١- يعزي الكثير منّا عند سفرهم إلى أي دولة بها حضارة ورقي ويحظي من يعيش فيها بحق كامل في جودة حياة متكاملة كما ذكرت سلفا، إلى وجود نظام "System” وهذا استنتاج صحيح لكن الأكثر صحة منه هو من يصنع هذا النظام، فالنظام ليس مخلوقا أو موروث لكنه صنيعة البشر، كان يدويًا أو إلكترونيا وصناعة النظام الصحيح لا تحدث إلا إذا كان خلفه أشخاص لديهم رؤية حقيقية وعلم عميق وخبرة طويلة وإنجازات على الأرض تؤهلهم لصناعة نظام..

يتم بناؤه بعد تحديد الأهداف المتكاملة التي تخدم كل المناحي بغرض تحقيق حياة كريمة وجودة تنافسية تضمن الولاء والانتماء وتثبط الهجرة وتحتفظ بخير أبناء الوطن، وتجذب إليه كل من هو صاحب فكر في أي مكان في العالم، بطريقة علمية صحيحة بعيدة عّن الهوى وتوقيت ومعايير جودة تجعل قياس الأداء ممكن وتطويره وارد، وهذه هي زاوية الرؤية والتخطيط والإبداع، وهي زاوية القمة في مثلث الحياة وإذا كانت هذه الزاوية غير دقيقة خربت معها كل الزوايا، ومن ثم خرب المثلث وأنتج ما يسمى بمثلث الهلاك!

٢- ولأن التخطيط والبناء يظل حبرا على ورق أو برنامج على ذاكرة حاسب آلي، ما لم يتم ممارسته وتنفيذه بشكل صحيح من خلال خطة تنفيذية كاملة تفصيلية محددا بها دور كل فرد في هياكل العمل الوظيفية وكيفية تأدية دوره والتعامل مع زملائه في جميع خطوط هيكل العمل، وتشمل كل التكتيكات المطلوبة للتنفيذ ومراعاة جميع الظروف مدمجة بخطة متابعة ورقابة شديدة لا تعرف التمييز في تقاريرها..

وما أجمل خطة المتابعة والرقابة القائمة على التقويم لا الترهيب، عندما يشعر الفرد أن من يراقبه أو يتابعه شريك له وليس مخبرا يصيبه بالضرر، وانتظام المتابعة والرقابة بشكل صحيح يعد زاوية ارتكاز مهمة وخطيرة في مثلث الحياة وهي الزاوية الأولى في قاعدة مثلث الحياة، فدون هذه الزاوية تصبح الحياة مشوهة وكاروهات وليس لها لون مميز يمكن تمييزها به.

٣- أما الزاوية الأخيرة وهي الزاوية الثانية في قاعدة مثلث الحياة وهي ركن ارتكاز المثلث وضمان تحقيق أهدافه، هي زاوية الثواب والعقاب، هي زاوية القانون دون تمييز، هي زاوية دستور النظام، هي زاوية العدل والمساواة وعدم التمييز، عندما يتم تنشيط هذه الزاوية، يصبح الجميع يسير من خلال خريطة واحدة تحكمها قواعد واحدة ومن يخرج عنها سيحاسب بطريقة واحدة أي من كان، هي زاوية تضمن لكل صاحب رؤية أن يذهب إلى زاوية القمة، يخطط ويبدع ويعلي من شأن جودة الحياة، إنها زاوية إعمال القانون، زاوية الرخاء وبها نعيش حياتنا في مثلث الرخاء.

إن بلادنا تملك أفضل العقول ولا شك أن العقول تصنع المال، والمال لا يصنع العقول، وهو ما يقطع الطريق على من يعزي أي إصلاح أو جودة في الحياة إلى المال، فهذه سنغافورة التي كانت دولة فقيرة تقترض المال من كل دول العالم، لكنها الآن أصبحت سنغافورة على رأس الإبداع، تحتاج دولة مثل وطننا الحبيب حتى تصل إلى معدل الدخل السنوي للفرد بسنغافورة أن تحقق معدل تنمية ١٠٠٪؜ سنويا لمدة ٩٠ عاما شريطة أن تقف سنغافورة على ما هي عليه الآن..

ولأن كثرة العدد لم تكن يوما عائق للتنمية والرخاء، بل كانت دائما موردا من موارد الخير، فلا عجب عندما ترى الصين التي يسكنها نحو ٢ مليار نسمة، وقد أصبحت قوة اقتصادية خارقة تقف أمامها أقطاب العالم تفكر وتعد لها الحسابات!
لا شك أننا نستطيع!
الجريدة الرسمية