رئيس التحرير
عصام كامل

ما لم ينشر عن خالد محيي الدين!


لا ندعي الاقتراب من الرجل طبعا ولم نعرفه بشكل مباشر ولا حتى أجرينا معه أي حوار صحفي لا هو ولا أي قيادة أخرى بحزبه التجمع.. لكن يبدو من مزايا العمل المبكر بالسياسة أن تكون طرفا في جلسات وحوارات ومواقف متعددة الألوان..


كنت في الإعدادية عندما انتقلت إلى فريق الكرة ببلدية أسيوط وهو الفريق الذي ضم وقتها الكابتن هادي خشبة وعددا من نجوم الكرة الآخرين، وكان من بينهم النائب فيما بعد محمد الصحفي وعنده نتوقف قليلا.. فمحمد الصحفي ورث اللقب من والده الكاتب الصحفي أحمد فرغلي نائب أسيوط الشجاع رحمه الله.. كان أحمد فرغلي ناصريا وطنيا شديد الحب لمصر واسموه "حبيب الغلابة" لبساطته، وقد فصل من مجلس الشعب في ظروف دراماتيكية..

وتقول الرواية إن الرئيس السادات وهو يهبط من سلم الطائرة عائدا من إحدى الرحلات سأل منصور حسن وكان وزيرا لشئون الرئاسة قائلا: ماذا فعلتم مع فرغلي؟ ورد منصور حسن: كله تمام يا فندم.. انتهى الأمر!

ولما كان نائب أسيوط أحمد فرغلي يتابع ابنه والفريق كله عرف بانتمائنا السياسي المبكر وكان سعيدا به ومندهشا منه أيضا، إلا أنه تعامل معنا ككبار، عليهم أن يفهموا كل شيء، وحكي لنا كيف أسقطوا عضويته من مجلس الشعب، بحجة أنه وراء شائعة تدبير الدولة محاولة لاغتيال خالد محيي الدين أثناء زيارته للجان حزب التجمع بأسيوط، وقد مارس دوره كرئيس حزب كما ينبغي، وأقسم الرجل - لصغار السن مثلنا أنا وابنه الضابط ثم النائب أيضا فيما بعد- إنه بريء من التهمة تماما..

إن صحيح معارضة خالد محيي الدين تقلقهم إنما السبب الحقيقي كان استجوابا قدمه ضد عثمان أحمد عثمان وكان الاستجواب يرتبط بقضية تجسس ليس عثمان طرفا فيها بشكل مباشر لكن الاستجواب كان مزلزلا ولم يحتمله السادات عن صهره عثمان فتخلصوا منه.. والقصة مثيرة لكن بقيتها لا علاقة لها بخالد محيي الدين ولذلك فلها مقال آخر!

وذات يوم قال لي القيادي بحزب التجمع إن استقبال خالد محيي الدين في موسكو يدعو للفخر لمصر كلها.. كانت المناسبة هي تنصيب واحد من رؤساء الاتحاد السوفيتي الذين جاءوا عقب وفاة بريجينيف وكانوا عدة رؤساء ماتوا جميعا دون أن يستمر أحدهم فترة طويلة.. إلا أن الملفت أن في البروتوكول الذي نظمته الدولة السوفيتية وقف خالد محيي الدين في الترتيب رقم 2، بينما كان الأول هو الرئيس الجديد نفسه! ثم بعدهم زعماء العالم! وذلك تقديرا لدوره كعضو مجلس قيادة واحدة من أهم ثورات العالم وكدوره كرئيس للجنة الدولية للسلام!

بينما قال لي ذات يوم سياسي كبير وكان على صلة بخالد محيي الدين وكان يعتبرني مثل ابنه: إن جمال عبد الناصر وكل أعضاء مجلس قيادة الثورة اختلفوا مع خالد محيي الدين في موضوع العودة للثكنات وقاطعته وقلت: كيف يعودون للثكنات دون إنجاز مهامهم؟ هذا كلام مثالي إنشائي.. الثورة ثورة ولو عادوا لعاد الإقطاعيون والباشوات لحكم مصر وأعدموهم فقد كانوا لم يزالوا يمتلكون الثروة والنفوذ..

فقاطعني وقال: ومع ذلك أبعدوا خالد إلى سويسرا.. وعندما عاد نجح في برلمان 1957 بل استدعاه جمال عبد الناصر فيما بعد وطلب منه أن يؤسس صحيفة المساء وعندما سأله خالد لماذا؟ قال عبد الناصر: نريد تثقيف المصريين.. وصحيفة مسائية تقرأها الأسرة في المساء وهي بعيدة عن العمل والوظيفة.. بل سيكون ذلك مع فنجان الشاي الذي اعتادت عليه الأسرة المصرية بعد الغذاء! وسيؤثر فيها ذلك وسيسرع في بناء المجتمع الجديد إلى نبنيه الآن!

لم ينكلوا بالرجل إذن كما اشاعوا.. ولم يسجنوا كل من اختلف معهم كما افتروا.. بل أطلق عبد الناصر اسمه على ابنه الأكبر خالد.. وظل محيي الدين على قناعاته حتى آخر لحظة من عمره.. وتبقى لدينا قصص أخرى فقد كنا في القاعة التي قدم فيها خالد محيي الدين السيد على صبري في أول ظهور علني له في نهاية الثمانينيات بعد أن أفرج عنه الرئيس مبارك بعد سنوات طويلة في السجن وقدمه وقال: أقدم لكم الرجل صاحب أول خطة خمسية في مصر أذهلت العالم.. صحيح أنها تمت في عصر جمال عبد الناصر لكن من أشرف عليها وأدارها وترأس وزراءها وحقق أرقامها وكانت الأكبر في العالم وقتها هو ضيفنا اليوم الذي أمامكم.. السيد على صبري!

كان على صبري ناله من التشويه ما ناله والهجوم ضده حاد وعنيف ومع ذلك لم يتردد محيي الدين في تكريمه وأن يفتح له حزبه.. رحم الله خالد محيي الدين!
الجريدة الرسمية