رئيس التحرير
عصام كامل

عبد العزيز البشري يكتب: مظاهر بديعة واحتفالات خاصة

فيتو

في مؤلفه "قطوف" الذي أصدره الكاتب الشيخ عبد العزيز البشري بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك، في أحد فصوله عن شهر رمضان، قال:


للمصريين احتفال خاص بشهر رمضان الكريم يختلف شكلاً وموضوعًا عن احتفالات هذه الأيام.

لا يخوض المرء في شارع أو درب أو زقاق في القاهرة أو سائر حواجز البلاد إلا ويسمع القرآن الكريم يتناوله القارئون من كل ناحية، والبيوت مضاءة بالقناديل، فلما طغى سيل الحضارة وطغى عصر الغاز والكهرباء انقلب حال البلاد والعباد، فاتخذ علية القوم لسهرهم الأندية والكلوبات بدل الدور، وآثر بعضهم قضاء الليل في القهوات، وأظلم أكثر الدور، وخفت صوت القراء رويدًا رويدًا، ولولا فضل الراديو لعد ناشئة هذا الجيل قراءة القرآن وارتفاع الأصوات بالأذان أثرًا من الآثار التي تولى بها الزمان.

لكن هيا نرى رمضان الآن، نوافذ المناظر فمفتحة تنبعث منها نور المصابيح، كما ينبعث منها النور الأعظم، أعني ترتيل القرآن الكريم، ولا تنس حظ المساجد الكبيرة ـــ على وجه خاص ــ من ذلك النور والإشراق في طرفي الليل جميعا.

ففى صدر الليل صلاة العشاء، ثم صلاة التراويح، ثم تلك الأناشيد البديعة التي يتغنى بها المؤذنون فرادى وجماعات، فإذا كان السحر فتحت أبواب المساجد وأضيئت فيها الثريات، وأقبل عليها الناس بعد الفراغ من سحورهم، فانتظموا في حلق يستمعون إلى دروس العلماء في تفسير كتاب الله، وفي حديث رسول الله، وفي أحكام الشرع الحكيم، حتى إذا قال العلماء "والله أعلم" أذانا بختام الدرس، أسرع الناس فانتظموا صفوفا، مولين وجوههم شطر الدكة في بهرة المسجد، ليسمعوا صوت أشهر قارئ في الحي، وناهيك بالشيخ حنفي برعي في مسجد فاطمة النبوية، وبالشيخ أحمد ندا في مسجد السيدة زينب، رضي الله عن السيدتين الكريمتين، ورحم الشيخين العظيمين.

ولعل ما أظهر الحكم في فرض الصيام على الناس هذا الشهر من الأعم أمورا، منها أخذ النفس بالشدة ورياضتها على الصبر على المكروه، وفي هذا استراحة للأبدان والنفوس، لكن ما يؤلمني هذا العام أن يجئ علينا في رمضان عواء الصفارة إيذانا بمقدم الغارة، وهذا ما صنعته الحرب (يقصد الحرب العالمية الثانية بين الحلفاء والمحور)، غير أننا لاينبغي أن نبتئس بمجرى القدر في هذا الشهر الكريم، فهو شهر الصيام.

والصيام كف النفس عن الطعام والشراب، وفي ذلك امتحان للمؤمنين لمبلغ جهدهم واحتمالهم في طاعة الله، وتعويدهم الصبر على المشاق في هذه الحياة، فلا يفسدهم طول الترف والتقلب في المناعم والاسترسال في معاطاة اللذائذ، فإن هذا العيش أدعى إلى تكسر النفوس واسترخاء العزائم وعدم القدرة على احتمال الشدائد.

إن أمة يصير بها الأمن والرخاء إلى هذا المصير لحقيقة بالتقلص والضمور فالانقراض، والعياذ بالله، ونحن ذيادا على الشرف والاستقلال والحرية قد نلق المشاق، وأكثر من المشاق، فمن الخير لنا لو تدبرنا، أن نمرن النفس من الآن في خوض المشاق ومعاناة الشدائد في الحروب، حتى إذا كان يوم الردع لا أذن الله، لاقيناه في رشد وعزم وصدق يقين، قال تعالى في سورة البقرة: "ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا اليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون". صدق الله العظيم.
الجريدة الرسمية