الأوامر المنسية من القرآن (6)
ونستكمل سلسلة مقالات يوم الجمعة عن أوامر القرآن الكريم التي هجرها المسلمون، واكتفوا بتنفيذ الأوامر الإلهية فيما يخص الشعائر وحدها.. ونتوقف عند قوله تعالي "وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا"، وهو فعل أمر مباشر لا يحتمل لبسا ولا تأويلا، وفيه حث على الالتزام بواحد من أهم التزامات منظومة الأخلاق والقيم في الإسلام وهو الوفاء بالعهود..
وقد تناول الأمر سبحانه وتعالي في القرآن بإشارات أخرى مثل قوله "والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون"، ويمدح الموفون بالعهد في قوله "والموفون بعهدهم إذا عاهدوا" وكلها من باب التشجيع على الوفاء بالعهد الذي لا يتوقف عند حدود الالتزام بالعقود الموقعة بين طرفين إذ إن للعقود آية أخرى -بل الأصل في الوفاء بالعهد-كما نفهم ـ ألا يكون شاهد عليه ألا الله ولا توجد قوة ملزمة له..
وهنا يكون الوفاء بالعهد خشية الله وحده.. ومنها العهد ببيع سلعة ما إذ لا يصح بيعها فيما بعد لآخرين حتى لو عرضوا أموالا أكثر.. ومنها العهد بالنذر.. وهو عهد مع الله.. ومنها العهد بالوظيفة، والعهد بالصلح، وإنهاء الخلافات بين الأفراد والعائلات.. وهناك العهد بمنح المساكن لآخرين دون عقود، والتعهد بتركها لهم فترة محددة، فلا يصح مطالبتهم بتسليمها لأسباب مادية، حيث سيؤدي ذلك لإرباك حياة المستأجرين وربما حملهم فوق طاقتهم !
ومن ذلك التعهد بالوقوف بجانب المظلوم، وبالتالي يدخل في نطاقها عمل المحامين، ومنها التعهد بدعم المحتاجين بكل أنواع الدعم.. من التلاميذ واحتياجاتهم إلى التعهد بالمساعدات المادية للأسر ما لم يحدث ما يمنع ذلك.. إذ ليس فقط لأن التراجع عن العهود مؤلم جدا خصوصا للفقراء والضعفاء، ولكن أيضا لأن الالتزام به يعود بالبركة لأصحابه في المال والرزق والصحة!
وهكذا في سلسلة الأوامر المنسية التي يستهين بها البعض كتب القرآن عوامل سعادة الأفراد والمجتمعات، ومع ذلك هجر نفر من المنتسبين لهذا الدين كل هذه الأوامر والوصايا للقتل والتفجير وإرهاب الآخرين.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!