رئيس التحرير
عصام كامل

المتلونون (٢)


كانت التعليمات أن نستقبله بحفاوة، ونستجيب لكل مطالبه، ونهم للدفع به على الشاشة، أما الإنفاق على برنامجه بسخاء.. فكان ضمن التسهيلات، وكان التخويف من الجهة التي أرسلته.. واحدًا من حزمة تحذيرات. ثم جاءنا منتفخًا، يحمل لفافات من ورق، وقد سطر في بعضها ما يريد.. وسطر في البعض الآخر ما أردنا، ولم يكن ليطل على الشاشة إلا بما أردنا، وما أردناه كان مجابهة ما يحمله من أفكار تخدم مصالح جماعة الإخوان، هذا ما تعاهدنا عليه، غير عابئين بتعليمات أو تسهيلات أو تحذيرات.


كان مراوغًا على الشاشة، تتأرجح مواقفه وتتغير آراؤه في الحلقة الواحدة أكثر من مرة، تارة ليفلت من رقابتنا عليه.. وأخرى ليرضي خيرت الشاطر الذي أرسله لصاحب القناة وأوصاه به خيرًا، وأيضًا ليرضي هشام قنديل رئيس وزراء الإخوان الذي كان يعمل مستشارًا له، فثبات مواقفه لم تكن تعنيه بقدر ما كان يعنيه راتبه الشهري الذي تخطى نصف مليون جنيه، لذلك سعى لإرضاء الجميع، أما شكاواه الدائمة منا لصاحب القناة فكانت بسبب تضييق الخناق عليه في موقف لا بد أن يناصر فيه الإخوان، حتى يثبت قدماه على الشاشة.. جعل من نفسه عرابًا لصفقات أديرت في الخفاء بين الجماعة التي تبنى أفكارها وآخرين سوف نتطرق إليهم في الأسابيع المقبلة.

حاول المتلون (موضوع حديثنا) أن يجهض من خلال برنامجه مسيرة حركة تمرد التي دعت الشعب للإطاحة بالإخوان، وفي حلقة استثنائية احتفالًا بثورة ٣٠ يونيو.. جمعنا كل مذيعي القناة للاحتفال بإزاحة الجماعة من الحكم، وطلبنا من كل مذيع الإمساك بعلم مصر، رفض المتلون في البداية الامتثال لمطلبنا، لكن خوفه من الإقصاء جعله يرضخ، ومن خلال قسمات وجهه.. قرأنا ما لم يقله، ولمسنا حجم حزنه على رحيل الجماعة بعد الحلقة.

مال المتلون إلى كفتنا بعد رحيل من دفعوا به إلينا، ليأخذ لون المرحلة الجديدة، كان يبدي تعاطفًا مع معتصمي رابعة، وسرعان ما يتراجع، يحدوه الأمل في عودة الإخوان.. لكن أمله الأكبر في استمرار حصوله على راتب شهري لم يكن يراود خياله، وعندما أيقن أن العودة مستحيلة.. قفز من المركب، لكن قفزته لم تشفع له عند صاحب القناة، فقد نفذ رصيده عنده بعد نفاذ رصيد الإخوان عند الشعب..

ظننا أن الزمن لم يعد زمنه، وأن اكتفاءه بالعمل في الجامعة أصبح أمرًا واقعًا، لكننا فوجئنا أن القشة التي تعلق بها بعد قفزه من مركب الإخوان.. مكنته من اللحاق بمركب النظام الحالي، فحصل على ما لم يحصل عليه في السابق، وها هو يتجرد مؤخرًا من كل المميزات التي حصل عليها، لكن يقيني أنه يسعى لمميزات أخرى سوف يحصل عليها، هكذا المتلونون.. يذهب الرؤساء، وتتغير الحكومات، وهم الباقون.
basher_hassan@hotmail.com
الجريدة الرسمية