الجيش الثاني لن يحارب جيشه الأول أبدا!
إن أردت أن تعرف لماذا ترفض مصر إرسال قوات إلى سوريا، فعليك أن تعرف أولا أنه للمرة الألف لا يريد ترامب أن يستسلم ويترك بلادنا في حالها وينسى خطة تفتيت وتدمير المنطقة بعد فشل تقسيمها عبر "الربيع العربي"، فمن خلال إشعال صراع سني شيعي يتم الإسراع به ليحقق ترامب مكاسب كبيرة، أهمها على الإطلاق التقاء مصالحه وبشكل كامل مع دولة العدو الإسرائيلي ومن خلفها جميع المنظمات الصهيونية صاحبة النفوذ الأكبر في الولايات المتحدة القادرة الآن وبقرار بسيط على إيقاف الحملات ضد ترامب والإغلاق النهائي لقصة مساعدة روسيا له في الانتخابات الأمريكية!
القصة ببساطة -حتى يستوعب غير المتابعين للملف السوري ما يجري-أن أمريكا أعلنت فجأة رغبتها في الانسحاب من الأراضي السورية لكن قبل انسحابها طلبت أن يتم استبدال قواتها بقوات عربية!
من جانب آخر وخلال الفترة الماضية تغيرت الأوضاع على الأرض في سوريا، فروسيا مثلا أصبحت طرفا فاعلا في الأزمة وربما كثيرون لا يعرفون أن عدد الإرهابيين الذين قتلتهم روسيا تجاوز الـ54 ألف إرهابي! ينتمون لجميع التنظيمات الإرهابية وأدارت روسيا المعركة بذكاء بالغ فلم تذهب إلى سوريا للقتال إلا بعد الإعلان عن التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، بل وأيضا بعد وضع عدد من التنظيمات المسلحة التي تقاتل الجيش السوري في قائمة التنظيمات الإرهابية، ولذلك صار كل ما تفعله روسيا شرعيا ووجودها ذاته بطلب من الحكومة السورية نفسها!
وقد أدى ذلك إلى انتصارات غير مسبوقة ولم تكن متوقعة للجيش العربي السوري أدت بالطبع إلى خسائر كبيرة جدا للتنظيمات الإرهابية التي صنعتها في الأساس الولايات المتحدة ذاتها بالأمر المباشر هي وإسرائيل، بينما مولتها قطر ودول أخرى ودربتهم تركيا ومررتهم إلى الأراضي السورية! وبالتالي أصبح كل ما فعلته قوى الشر لإسقاط سوريا وتفكيكها وتقسيمها في مهب الريح ولذلك كانت الضربات الأخيرة ضد سوريا بذريعة الكيماوي كمحاولة لوقف انتصارات الجيش السوري!
القوات الأمريكية في سوريا لا شرعية لوجودها وبالتالي فإن أي رغبة أمريكية في سحب قواتها من المفترض أن تتم تصحيحا لهذا الوضع غير القانوني، وأن تتسلم الدولة السورية هذه الأماكن، لكن كي نعلم خطورة الأمر فليس صحيحا أن القوات الأمريكية موجودة في منطقة واحدة في سوريا إنما توجد في أكثر من 14 منطقة!
وبالنظر إلى الخريطة نجدهم يقعون في الأماكن المرشحة لسيطرة الإرهابيين وبالتالي فهي المناطق التي كانت مرشحة للانفصال.. ولكي يستوعب القارئ فالوجود الأمريكي في سوريا يتمركز تحديدا في مناطق:
القاعدة العسكرية الأمريكية في الجلبية التي تحولت طبعا إلى وحدة عسكرية منفصلة ومغلقة، وتوجد بها ما يقرب من 40 طائرة نقل عسكري حديثة ومدرج للطائرات وكذلك قاذفات مجهزة بأسلحة ثقيلة حديثة وغيرها من أحدث أنواع الأسلحة الأمريكية!
القاعدة العسكرية الأمريكية في تل تمر التي يوجد فيها أكثر من 200 جندي أمريكي كما يتم في القاعدة تدريب الجيش السوري الجديد!
القاعدة العسكرية الأمريكية في سيرين وبها موقع نشر وحدات الإنزال الأمريكية.
قاعدة أخرى في التنف وفيها موقع تمركز قوات الولايات المتحدة وبريطانيا وأيضا ما يسمى "الجيش السوري الجديد".
قاعدة حربية أخرى في ديريك التي بها يتم نشر أفواج قوات الإنزال الجوي الأمريكية، لمساعدة قوات سوريا الديمقراطية قبل التدخل التركي الأخير وكذلك كان من خلالها تهبط طائرات النقل العسكرية وما تحمله من أسلحة وذخائر!
قاعدة عسكرية أمريكية في حرب عشق موقع توجد وحدات عسكرية مدربة جيدا!
القاعدة العسكرية الأمريكية في جبل مشتنور وتضم برج راديو يتبع للقوات الخاصة الأمريكية وتديره من هناك!
القاعدة العسكرية الأمريكية في تل سمن- التنصت وقطع اتصالات مسلحي "داعش" اللاسلكية والسلكية- توفر الاتصال مع المقر المركزي للتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب الذي لم يقدم شيئا يذكر في حربه المزعومة ضد الإرهاب بل أطال في عمر الإرهاب أكثر وأكثر!
القاعدة العسكرية الأمريكية في الطبقة وهي تستخدم لإقلاع وهبوط الطائرات الأمريكية!
السؤال الآن: عندما يتم وضع قوات عربية بدلا من هذه القوات فمع من وضد من ستكون في سوريا؟
بالطبع غير مسموح للقوات التي ستذهب أن تعمل على إغلاق ملف الصراع ولا لمحاربة الجماعات الإرهابية، وإلا كانت أمريكا نفسها فعلت ذلك كما أن من دبر تمثلية الكيماوي أكثر من مرة قادر على تدبير أي تمثلية أخرى ضد القوات العربية المحتملة وإلصاقها بالجيش السوري..
وبالتالي ستجد هذه القوات نفسها في مواجهة الجيش العربي السوري نفسه! الذي لن تتوقف عندئذ إيران عن دعمه كما هو الحال الآن وكذلك حزب الله وبالتالي سنقف فجأة أمام حرب سنية شيعية لن تتوقف عند حدود سوريا بل مؤكد أن قوات شيعية مثل ميليشيا الصدر أو ميليشيا بدر أو عصائب الحق أو ميليشيات الحشد الشعبي ستتحرك في العراق ضد السنة ثم اضطرابات في كل الأماكن التي تجمع في سلام بين السنة والشيعة لإشعال الموقف الذي قد يمتد إلى المنطقة كلها!
من أجل ذلك كله رفضت مصر الذهاب إلى سوريا وسترفض مهما كانت الضغوط أو مهما كان الإلحاح.. فمصر أكثر من يدرك المخطط وأكثر من واجهه بل ويفسده لكن بوسائلها وطرقها الخاصة وهي تدرك أن الذهاب لا يعني محاربة الجيش السوري فحسب إنما بداية لإشعال المنطقة كلها لتنجو في الأخير دولة واحدة وحيدة تقف خلف المخطط كله.. أنه العدو الإسرائيلي!
فضلا عن استحالة أن يقف الجيش المصري في مواجهة الجيش السوري.. لا يُحارب الجيش الثاني جيشه الأول أبدا!