الأوامر المنسية من القرآن (5)
واحد من أهم وأشهر الأوامر في القرآن الكريم جاء في قوله تعالى "فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ" وقوله "وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ* حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ" وجاء أيضا "وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ" ورغم الوضوح والمباشرة في فعل الأمر واجتنبوا" وقوله "فاجتنبوا" وقوله "ولا تكتموا الشهادة" وكلها أوامر لا تحتاج إلى توضيح أو تأويل، ومع ذلك نجد الابتعاد عن الالتزام بهما في مجتمعاتنا اليوم بما يثير الدهشة.. وليته توقف عند إثارة الدهشة بل بلغ الأمر إلى مشكلات اجتماعية خطيرة تشكل نسبة كبيرة مما يصل إلى القضاء والحاكم!
ولا يتوقف قول الزور في الشهادة بين طرفين مختلفين كما يتصور البعض.. كاستعانة أحدهم بطرف يقول أمام القضاء خلاف الحقيقة ليكسب النزاع بل تمتد إلى جميع مناحي الحياة دون أن ندري.. المدرس الذي يقيم تلميذه تقييما غير حقيقي ليلجأ إلى الدروس الخصوصية.. والمدير الذي يقدر مرءوسيه تقديرا غير عادل سلبا بالظلم وإيجابا بالمجاملات واختيار غير الأكفاء للبعثات والدورات وترك الأكفاء والمؤهلين وإنجاح طلبة الطب في الامتحانات الشفوية وهم وغيرهم في الامتحانات التحريرية للحصول على مستوى معين يؤهلهم للحصول على ما لا يستحقونه على حساب غيرهم.. والقول بغير الحقيقة عن تاريخ الأمم وسيرة الزعماء والرؤساء وغيرها وغيرها كلها شهادات زور سيحاسب أصحابها حسابًا عسيرًا جدا..
ولذلك كان الفعل الوحيد لما به من ظلم وما يتسبب فيه من ألم الذي حذر منه الرسول عليه الصلاة والسلام بطريقة لم يتعودها الصحابة ففي الصحيحين أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أُنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله قال: الشرك بالله ثم عقوق الوالدين وكان متكئًا فجلس ثم قال: ألا وقول الزور ألا وقول الزور ألا وقول الزور وظل يرددها حتى قلنا يا ليته سكت"!!
إن أردت أن تعرف خطورة فعل الزور تخيل نفسك وقد جاء أحدهم يشهد عليك بالباطل بما يدينك ظلما أو بمن يظلمك في عملك أو في ميراثك أو بين جيرانك.. لتعرف لماذا كان الجرم الوحيد الذي حذر منه رسول الله بهذه الطريقة وكيف أن التزمنا بأمر القرآن عنه لارتاحت المجتمعات من نسبة كبيرة جدا من مشكلاتها وأزمات شعوبها!