رمضان في درب الغربان!
رغم تواجدى في الهند لفترة ستنتهى قريبا، فإن رائحة العيش البتاو في الأفران البلدى.. كنافة الأفران البلدى.. تلك الأفران الطينية التي تعلوها صاج ويستخدم فيها "كوز مخروم" لتشكيل دوائر الكنافة...صوت القرآن في المساجد قبل المغرب.. صلاة التراويح.. صوت طبل المسحراتى.. لعب الأطفال في الشوارع بعد رشها بالماء... زحمة السوق وتهافت الناس على شراء الجرجير والخضراوات بعد العصر.. كلها مفردات تغازلنى هذه الأيام مع قرب حلول شهر البركة والتي معها تتجدد ذكريات رمضان في الأعوام الماضية.
كانت ليالى رمضان في العقود الماضية لها ذكريات ربما أطول منا عمرا، فكان الناس أكثر ترابطا وتماسكا وودا، وهناك في صعيد مصر في الماضى كانت ترش المصاطب الطينية في الشوارع والمنازل بالماء، وتوضع عليها الحصر الحلف أو المفارش.
كان الصغار أكثر بهجة في استقبال الشهر، فكانوا يصنعون زينة من أوراق الكتب القديمة، ليزينوا بها الشوارع وواجهات المنازل وأمام المساجد فضلا عن الفوانيس.. نعم كام لرمضان طابع خاص ومذاق ما زال عالقا في الأذهان.
هناك في أرياف الصعيد في درب الغربان كانوا حريصين قبل عصر الثلاجات على وضع الأزيار وجراكن المياه محاطة بالخيش في محاولة لتبريد المياه.
وفى منتصف رمضان كان الازدحام يشتد على الطواحين المصنعة من الحجر لاستقبال جوالات القمح والدرة الشامية لطحنها، حيث كانت الأسر تستعد لإعداد البتاو والعيش الشمسى والبسكويت.
كنا صغارا فكنا نلتف حول التلفاز لمشاهدة برامج فطوطة وفوازير عمو فؤاد، وقبلها برامج شريهان ونيللى، مازالت لأغنية رمضان جانا تعيدنا إلى أجواء رمضان زمان.
هناك كان التسامح أكثر والوصال والترابط أشد والاطمئنان والسؤال على الآخرين فريضة كانت الناس أكثر بساطة وعمقا.
هنا في الهند تذكرت شوارعنا أيام رمضان، وأنا أتجول في شوارع دلهى القديمة، والتي تعد منطقة تمركز للمسلمين الهنود، حيث مسجد جاما الشهير محاطا بسوق كبير لبيع الجلاليب وسجادات الصلاة والمطاعم الأفغانية والباكستانية.. نعم شعرت أنى أتجول في أحد شوارع أو أحياء مصر القديمة والقاهرة الفاطمية.
رمضان فرصة عظيمة للتقرب إلى الله والعودة إلى كتابه.. رمضان فرصة لنبذ العنف ودعوة للترابط والوئام والسلام.. رمضان فرصة لننقى أنفسنا من شوائب الحقد والكراهية.. تقبل الله منى ومنكم صالح الأعمال ورزقنا حب الخيرات وجعل رمضان بلا فقد ولا هم ولا حزن.. رمضان كريم وبعودة الأيام.