المتلونون (١)
أعلم أن الكتابة عنهم قد تسبب حرجًا لمن أبقى عليهم في صدارة المشهد، وأعلم أن شكاواهم مني ستكون عبئًا على الأستاذ عصام كامل رئيس التحرير، وعلى المستوى الشخصي.. أعلم أن السباحة ضد تيارهم تمثل مخاطرة، لأنهم يشكلون لوبي قادر على المنح والمنع والتشويه، لكن السكوت عليهم جريمة، ونزع أقنعتهم فريضة، وتعرية مواقفهم واجب وطني يتلاشى أمامه الحرج وعبء الشكاوى والمنح والمنع والتشويه..
تشابه المتلونون مع الحرباء في تغيير جلودهم، وفاقوها في تغيير مبادئهم، يتلونون بلون المركب الذي يقفزون إليه، ويسبون المركب الذي يقفزون منه، لا يبالون إذا كانت ثرواتهم حمراء بلون دماء شهداء مركب أغرقها الإهمال منذ سنوات مضت، أو دماء جنود يبذلون حياتهم يوميًا دفاعًا عن الوطن، تتكاثر الحرباء عندما تفقس بيضًا، ويتكاثر المتلونون عندما نغض الطرف عنهم، وتمثل الحرباء خطرًا على محيطها فتفترس ما حولها، وخطر المتلونين يكمن في بيعهم لمبادئهم، ومن يفعل ذلك لا يجد غضاضة في بيع الحاكم والمحكوم، وكم من عمليات بيع وشراء شهدتها السنوات السبع الأخيرة.
عن كثب.. شاهدت هذا النموذج من الإعلاميين بعد أحداث يناير يغير جلده مع مبادئه، كان صبيًا يتنقل بين مكاتب قيادات الحزب الوطني ويفاخر بالانتماء إليه حتى يوم تنحي مبارك، وفجأة.. ارتدى ثوب الثوار، ثم أطلق لحيته ودخل دهاليز الإخوان، شاهدته يشكو إلى محمد مرسي معاناته مع نظام مبارك، وحجم الأعباء التي تحملها بعد الإطاحة بوالده من منصبه، الشكاوى نفسها بادر بها عبد المنعم أبو الفتوح قبل دقائق من استضافته له على الهواء..
وكان الاثنان قد تأكد ترشحهما للرئاسة، وبذلك ضمن لنفسه مكانًا في مركب قد يقوده أحدهما، وعندما فاز مرسي.. أخذ الإعلامي المتلون مكانه في المركب، فكان شبه مقيم في الاتحادية، وأتذكر يوم أن سخر هذا الإعلامي كل إمكانيات القناة التي كان يعمل بها عندما قرر استضافة خيرت الشاطر عقب فوز مرسي، رأيت الشاطر يستمع إلى الأسطوانة نفسها (معاناته مع نظام مبارك) ولأنه يعلم قوة الشاطر.. أسند إليه مرسي بعض المهام التي اتخذها الإعلامي ذريعة فيما بعد للتهديد والابتزار.
كنت أجلس بجوار صديقي رئيس القناة، فرأيته منفعلًا وهو يتحدث في التليفون، كان يردد جملًا مثل.. أنا لا أقبل التهديد، ولن أحول القناة إلى بوق للإخوان، ولن ألغي برامج لأنها ليست على هواك، فهمت أن الطرف الذي يهدد هو ذلك الإعلامي، وعلمت من رئيس القناة أنه يتحدث من قصر الاتحادية، وأنه سوف يخبر صاحب القناة بما حدث، دقائق وتلقى صديقي اتصالًا من صاحب القناة يطلب منه تنفيذ كل التعليمات التي تلقاها من الاتحادية.
تخطى نفوذ الإعلامي المتلون حيز القناة التي يعمل بها، فطالت تهديداته أصحاب القنوات الأخرى، وبدأ في تصفية حسابات قديمة، وبالطبع كان المردود المادي لهذا النفوذ يفوق الخيال، فقد كان راتبه الشهري يتخطى نصف الميزانية المخصصة لكل العاملين في القناة، أما السيارة المخصصة له من القناة فكانت مرسيدس حديثة بسائق خاص، يدعي في أحيان كثيرة أنها ضمن مخصصاته من الرئاسة.
أما غرفة هذا الإعلامي في القناة فكانت لا تفتح إلا في وجوده، وكان أغلب ضيوفها من الفتيات الباحثات عن نجومية، وهذا كان وترًا يعزف المتلون عليه عندما يمارس هوايته في الإيقاع بالحسناوات، وله في تلك الهواية سيرة ستظل تطارده أينما حل.
قد يعتقد البعض أن من أتحدث عنه ذهب بذهاب جماعة الإخوان، وهذا اعتقاد خاطئ، لأن المتلون لا يذهب مع من باع إليه ولاءه، لقد قفز من مركب الجماعة في اللحظات الأخيرة، وعلى الرغم من أن القفزة لم تكن مقنعة، وأن ممارساته الإعلامية تؤكد أنه ما زال يعمل لحساب الإخوان.. فإنه يطل يوميًا من شاشة كانت الأولى في مصر.
basher_hassan@hotmail.com