رئيس التحرير
عصام كامل

«غلطة» عصام شرف


يتحمل عصام شرف والجنزورى ومن بعدهم الببلاوى مسئولية الهوة الشاسعة بين الحدين الأدنى والأقصى للأجور في مصر (1 إلى 36)، فلا توجد دولة في العالم تتسع فيها الفجوة بين أدنى وأقصى الأجور إلى هذا الحد المستفز، ومعظمها يتأرجح بين (1 إلى 7)، لا أحد بالطبع ضد مثالية المبدأ ونبل الهدف ولكننا ضد عنصرية وطبقية التطبيق، ونرفض أن يكون الفارق شاسعا إلى هذا الحد بحيث يقضى على الحد الأدنى من المساواة بين المواطنين.


فحكومة الدكتور عصام شرف بكل أسف هي أول من دشن هذه "الطبقية" و"العنصرية" في رواتب المصريين بعد ثورة يناير وأول من كرست هذه الطبقية والبون الشاسع في رواتب المصريين بموجب المرسوم بقانون ٢٤٢ لسنة ٢٠١١ بربط الحد الأقصى بخمسة وثلاثين ضعف الحد الأدنى، ومنحت الفرصة لرئيس البرلمان الحالى لكى يتحجج بأنه لم يفعل شيئا سوى أنه طبق مرسوما أصدره وزراء سابقون ولم يستحدث قانونا جديدا، وتتحمل حكومتا الدكتور الجنزورى والببلاوى اللتان جاءتا بعده جزءا من مسئولية هذا الطبقية لأنهما حددا الحد الأدنى للأجور في يناير 2014 في هذا الرقم المتدنى (1200 جنيه) وهو مبلغ لا يكفى الآن لبند واحد في استحقاقات أي أسرة مثل العلاج أو السكن أو التعليم أو المواصلات، ولا يكفى لتوفير حياة كريمة أو حتى آدمية.

ولو كان الحد الأدنى للرواتب في مصر 10 آلاف جنيه مثلا –وهو بالمناسبة الحد الأدنى لكى يعيش المصرى حياة كريمة وآدمية الآن- لما ثار وهاج وماج المصريون على قانون تقاضى الوزير والمحافظ ونوابهم راتبا 42 ألف جنيه، ومعاشا 32 ألف جنيه، ولكن كيف تقنعنى بأن يكون هناك مواطن يتقاضى 1200 جنيه ومواطن آخر –أيا كان منصبه وعبقريته وخدمته للبلد– يتقاضى 42 ألف جنيه.

الغريب والمثير للدهشة أن بعض الفئات التي على رأسها ريشة لم تعجبها حتى فكرة أن تتقاضى الحد الأقصى، فصرنا نرى رؤساء بنوك يتقاضون 36 مليون جنيه سنويا بخلاف نسبة من الأرباح وبدل حضور الجلسات وغيرها، حدث ذلك رغم تأكيدات المسئولين في الدولة آنذاك على أنه لا استثناءات في تطبيق المرسوم بقانون.

أحد أبجديات العدالة الاجتماعية هي تذويب الفوارق الاجتماعية بين أفراد المجتمع، ولم يكتسب عبد الناصر حب أغلبية المصريين الجارف إلا بسبب تطبيقه العدالة الاجتماعية وانحيازه للغلابة، ومنذ أيام بدأ المصريون يستدعون مقولته الشهيرة عن العدالة الاجتماعية بأنها ليست أن يكسب شخص نصف مليون جنيه في السنة ويكتب لأولاده أسهم كل سهم بنصف مليون جنيه، وتساءل فيها قائلا: "طيب والباقيين؟.. الناس اللي ليهم حق في هذه البلد إيه نصيبهم؟ يورثوا إيه؟، لا يمكن بكل حال من الأحوال أن يكون الغِنَي إرثا والفقر إرثا والنفوذ إرثا والذل إرثا".

فمن غير المقبول أن نستفز المصريين الذين يئنون تحت وطأة الغلاء المستعر منذ تعويم الجنيه قبل نحو عام ونصف بقانون يميز فئة عن فئة ويزيد الطبقية في المجتمع ويستفز الجميع، حتى أن صفحات التواصل الاجتماعى امتلأت منذ صدور هذا القانون بكلام عن رفض الرئيس السيسي التصديق على إقراره، والحقيقة أن الناس كانت تعبر عن أحلامها وإحباطاتها وتكتب أمنياتها باعتبارها حقيقة لعل الرئيس يستجيب لها ويصحح الخطأ.

الحقيقة أننى لم أر إجماع المصريين على رفض شيىء أكثر مما رأيت إجماعا على رفض قانون برلمان عبد العال بزيادة رواتب ومعاشات الوزراء والمحافظين ونوابهم وأفراد السلك الدبلوماسى، ذلك أن هذا القانون الاستفزازى صدر في وقت تتقاعس فيه أجهزة الدولة عن تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، بإضافة نسبة الـ80% من قيمة العلاوات الخمس إلى الأجر المتغير لأصحاب المعاشات وكأن مصر يعاد تجسيد الفوارق الطبقية فيها من جديد على غرار ما كان موجودا أيام الملكية.

استفزاز الحكومة للمصريين خلال الأيام الماضية لم يتوقف عند ذلك بل امتد إلى ما تم تسريبه من معلومات غير مؤكدة عن تقديم وزارة التخطيط لمخصصات مالية لـ 350 نائبا من نواب ائتلاف دعم مصر بقيمة 2 مليون لكل نائب لخدمة دائرته بإجمالى 700 مليون جنيه، وهو إجراء يعيد إلى الأذهان ماكان يفعله نظام مبارك بتمييز نواب الحزب الوطنى المنحل ومنحهم مكاسب دون غيرهم من نواب البرلمان، ويبدو أن موجة السخط على هذا الإجراء جعلت الحكومة تتراجع ولو مؤقتا.

ما زال جموع المصريين ينتظرون من الرئيس السيسي 3 قرارات لتصحيح الأوضاع الأول رفض التصديق على زيادة رواتب الوزراء والمحافظين ونوابهم والدبلوماسيين، الثانى تقليص الهوة الشاسعة بين الحدين الأدنى والأقصى للأجور، الثالث إلغاء قرار تمييز نواب دعم مصر بمخصصات 2 مليون جنيه دون باقى النواب.

* احسبوها معايا.. عدد نواب برلمان مصر 600 عضو، ميزانيته العام الماضى مليار و400 مليون جنيه في السنة إذا تم الإبقاء عليها دون زيادة هذا العام وتم التراجع عن نظرية "سيد فلوسه"، لو قسمت الميزانية على عدد الأعضاء سيكون نائب البرلمان له مخصصات من الدولة نحو مليوني جنيه سنويا، أي 166 ألف جنيه شهريا.. أي الحد الأقصى للرواتب مضروبا في 4.. ولاتعليق!
الجريدة الرسمية