قمم التراجع والإحباطات
قمة عربية تذهب وقمة جديدة تأتي والمحصلة النهائية صفر بل تراجع وإحباطات، ولعل اهتمام القادة العرب بالقدس هو المكسب الوحيد الذي خرجنا به من قمتهم التي انعقدت الأحد الماضي بالرياض.. فقد كادت "فلسطين" وقضيتها تتوارى وتموت في معترك الصراعات والانقسامات العربية، قديمها وحديثها حتى تكالبت علينا القوى الكبرى بصورة محمومة تذكرنا بالحقبة الاستعمارية التي شهدت ترسيم الحدود السياسية للدول العربية عبر اتفاقية سايكس- بيكو وما تلاها من تفتت وتناحر عربي- عربي بفعل نزاعات الحدود والوجود بين الأنظمة العربية بعضها بعضا.. مثلما حدث بين العراق والكويت وما جره ذلك من ويلات لا تزال أمة العرب تدفع ثمنه فادحًا من استقرارها وتقدمها وربما من حقها في الحياة ذاتها.
تعودنا من القمم العربية أن تنعقد وتنفض دون مردود حقيقي على الشعوب أو حتى أفعال ملموسة تغير واقع الأمة إلى الأفضل.. بل لعلنا نلحظ تراجعًا كبيرًا في تماسك الصف العربي من عام لآخر حتى أفضى ذلك إلى خروج البعض عن الحد الأدنى من الإجماع أو حتى التوافق إلى المكايدة السياسية والصراع الخفي والمعلن مثلما فعلت الدوحة في الأشهر الأخيرة مع جاراتها الخليجيات ومع مصر التي لا تدخر وسعًا في مناصرة قضايا أمتها وعدم التفريط في شبر من الأرض أو الحقوق العربية.. بل إن الرئيس السيسي قال إن أمن الخليج خط أحمر، مشيرًا إلى ذلك بقوله "مسافة السكة".
في أعقاب كل قمة عربية تثور الأسئلة في ذهن كل عربي من المحيط إلى الخليج.. هل أسهمت القمة العربية في حل شيء من القضايا المزمنة والمستجدة.. هل أزالت "قمة القدس" الأخيرة الإحباطات العربية بشأن قضيتهم المركزية.. وهل ستنجح في أثناء ترامب عن انحيازه للكيان الإسرائيلي واعترافه أن "القدس" عاصمة لإسرائيل واعتزامه- رغم الاعتراضات العربية والدولية- نقل سفارة بلاده إليها في خطوة من شأنها طمس حق الفلسطينيين في دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف..
هل نجحت القمة في تذويب شيء من الخلافات العربية وحلحلة الأوضاع السياسية المأزومة في دول بعينها لا تزال تعاني وتصارع لأجل البقاء موحدة ذات سيادة كما هو الحال في سوريا الشقيقة التي يدفع شعبها الأبي فاتورة تصفية الحسابات والمطامع وصراعات النفوذ وحروب الوكالة؟!
المواجع العربية أكبر من أن تحصيها هذه المساحة.. ولست أظن أن بيانات الشجب والإدانة عادت تجدي نفعًا في ظل عالم القوة واستعراض العضلات الذي تمارسه قوى كبرى على أراضينا؛ افتئاتًا على حقوق شعوبنا وخرقا للشرعة الدولية لحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف الأربع الداعمة لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها.. ومن ثم فلن تجدي تلك البيانات شيئًا مع ترامب أو تغير مواقفه..
فالرجل يتعامل مع السياسة بمنطق التجارة والربح والخسارة، وقد أعلن انحيازه لإسرائيل صراحة منذ اللحظة لترشحه للرئاسة، وقال إن دولًا عربية –سماها بالاسم- عليها أن تدفع ثمن وقوف أمريكا معها.. حتى وهو يضرب سوريا بدعوى استخدام نظامها للأسلحة الكيميائية لم يفاجئنا بل أعلن قبلها بوضوح.. فكيف نتوقع منه ومن حلفائه الغربيين غير الذي فعلوه بنا.. أليست خلافاتنا وأوضاعنا هي التي تغري خصومنا بالتكالب علينا وافتراس مواردنا ومقدراتنا؟؟!