ادعموا «شوقي» بعيدا عن مدعي النجومية
فاجأ مهرجان "كان" السينمائي الدولي العالم بإعلان قائمة أفلام المسابقة الرسمية المتنافسة على "السعفة الذهبية" للدورة 71 الشهر المقبل، وهي تضم فيلمين عربيين مصري ولبناني بلغا أهم مهرجان في العالم دون مقدمات أو دعاية وضجيج إعلامي، وإذا كانت المخرجة اللبنانية نادين لبكي شاركت في مهرجانات عالمية من قبل كعضو لجنة تحكيم وعرضت أفلامها في مسابقتي "نظرة ما وأسبوعي المخرجين" بالمهرجان نفسه، فإنها ذهلت عند اختيار أحدث أفلامها "كفر ناحوم" بالمسابقة الرسمية في "كان"، والعمل من إنتاج زوجها خالد مزنر، عن طفل بائس فقير يقرر التمرد على واقعه برفع قضية على والديه رفضًا للحياة المفروضة عليه والمطالبة بحقه كسائر الأطفال".
بموازاة لبكي، تساءل العالم عن المخرج المصري أبوبكر شوقي، الذي دخل تاريخ "الفن السابع" من أوسع أبوابه باختيار فيلمه الأول "يوم الدين" للمنافسة على "سعفة كان الذهبية" جنبًا إلى جنب كبار نجوم السينما في هوليوود وأوروبا، وشأن الجميع بحثت عنه لأنه غير معروف، لاكتشف نموذجًا مشرفًا للمثابرة والإصرار على النجاح، والصبر سنوات لتحقيق الحلم بتبني قضية إنسانية يخاطب بها العالم سينمائيا.
قبل نحو عشر سنوات أخرج شوقي فيلم وثائقي بعنوان "المستعمرة" عن مستعمرة الجذام في "أبي زعبل"، وتعرف خلال إنجاز الفيلم على مريض الجذام "راضي جمال"، نجاح الفيلم الوثائقي وتأثر المخرج الواعد شوقي بمرضى الجذام جعله يقرر تحويله إلى فيلم روائي يقدم به نفسه جماهيريًا كمخرج وسيناريست.. واختار أبوبكر لبطولة الفيلم مريض الجذام الذي تعرف عليه قبل سنوات راضي جمال لإضفاء المزيد من المصداقية على العمل، وكذلك بقية شخصيات العمل.
"يوم الدين" ينتمي لأفلام "الطريق" عن قصة رجل أصيب بالجذام في صغره، وعاش مع زوجته المصابة بنفس المرض في مستعمرة للمصابين، وبعد وفاتها يقرر الخروج في رحلة البحث عن أهله الذين تركوه صغيرًا في المستعمرة، ويرافقه صبي يتيم عمره تسع سنوات، وخلال رحلة المريض والصبي يكشفان الكثير عن مصر، وشخصيتيهما وعائلتيهما بإطار إنساني درامي كوميدي.
عانى شوقي ليعثر على تمويل للفيلم فتشارك في إنتاجه مع المصرية الأمريكية دينا إمام، ثم حصل على بعض المنح الإنتاجية من جامعة نيويورك ومعهد ترايبكا، واضطر لجمع مبلغ من الأصدقاء والعائلة، وتمكن من نيل منحة العمل قيد الإنجاز من مهرجان "الجونة السينمائي" في دورته الأولى العام الماضي..
لينضم المنتج محمد حفظي لقائمة الممولين ويسهم في مرحلة ما بعد الإنتاج، وبعد رحلة مضنية نجح شوقي في إنجاز فيلمه الأول، الذي يمثل مصر في المسابقة الرسمية لمهرجان "كان" منافسًا على "السعفة الذهبية"، للمرة الأولى منذ مشاركة المخرج يسري نصر الله عام 2012 بفيلم "بعد الموقعة"، وبعدها شارك المخرج محمد دياب عام 2016 في مسابقة "نظرة ما" لأفلام الشباب بفيلم "اشتباك".
ما يعنيني هنا أن المخرج والسيناريست أبوبكر شوقي، نموذج مصري مشرف يستحق الاحترام والتقدير والدعم غير المحدود، لأنه آمن بقضية إنسانية وبقي ملتزما بها 10 سنوات كاملة دون يأس أو إحباط.. اختار العمل في الظل بعيدًا عن الأضواء والشهرة لتحقيق حلمه بعد عناء ومشقة.. وكان بمقدوره الاتجاه إلى أفلام الهلس والبلطجة والعشوائيات والكوميديا الفجة والابتذال، وتحقيق شهرة زائفة وجمع الملايين كغيره من مدعي النجومية.. لكنه أبى إلا أن يقدم فنًا واقعيًا حقيقيًا يحترم به نفسه ويحترمه العالم، فكان أن اختاره أكبر مهرجان سينمائي في العالم للمنافسة على "السعفة الذهبية".
أبوبكر شوقي يجب أن تتبناه وزارة الثقافة وتدعم موهبته وتمول أفلامه وتبعده عن مدعي النجومية، حتى تبدأ مصر معه مشوار الانطلاق نحو العالمية السينمائية، التي سبقتنا إليها الكثير من الدول العربية مثل لبنان، تونس، الجزائر، والمغرب بأفلام واقعية بسيطة ناقشت قضايا محلية حقيقية بلا "فذلكة" أو تعقيد، فنال أصحابها جوائز مهرجانات "كان والبندقية وبرلين" وشارك بعضهم في "الأوسكار".. تماما كما يحدث في السينما الإيرانية التي باتت منافسًا لا يستهان به في جميع مهرجانات السينما العالمية بأفلام بسيطة عذبة تناقش قضايا مجتمعية تحاكي معاناة المهمشين وأحلامهم.