رئيس التحرير
عصام كامل

إيما خليل تكتب.. «سبحة الفيروز»

فيتو

صورة 1 (القنديل الوحيد)..


خطى ودقات قلب تدنو وتنأى عن الباب.. صمت يقرع.. همس الليل.. وكسل الفجر... وقنديل منزلنا الوحيد..
وحلمي يجلس على ركبتي ككلبي الأليف.. وبيدي سبحة الفيروز..
أسرح في رحلة الفكر عبر الحدود.. وأصرخ بالريح أن تمشي كي أعرف من أنا.. فالريح دائمًا بوصلة الغريب....
ولا شيء آخر يشاركني حيرتي لبلوغ الهدى..
لا شيء سوى أن أعزف لحنًا لموتزارت.. وأغني ذكرى الحنين كي أروض خيل الجنون..
ثم أكتب..

أكتب عن قمر لا يزال يصلح للحب..
وعن فكرة كسرتها الهشاشة.. وعن بلد خطفته الأساطير..
أكتب.... أكتب كي أدافع عن حاجة المبدع المتوحد للغد والذكريات معًا..
أكتب..
كي أستطيع زيارة أمس بعد أن صار أمامي يجر ورائي..
أكتب كي أستطيع الرجوع إلى أي شيء..
فحنيني صراع لي.. وحاضري دومًا يمسك الماضي من نهديه ليتسلل إلى أمس..
كل هذا يحدث ويتوقف عندما تأتي "هي".. ونلتقي..
وكم كنا نلتقي قبل عشرين عامًا عندما كان الزمن أقل جنونًا من الآن..
نلتقي بهوية كهربائية بجوار القنديل الوحيد، وحينها يصبح لا وقت لأخط سطورا على الرمال..
فقط على الأشياء الطيبة أن تحدث..

صورة 2 ("أنا وهي"):

"أنا": أظن أن الحب ما هو إلا مرض في الضباب..
"هي": لم أعرفه يومًا.. ولم أكن يومًا مصابة به، فقد زرعت قلبي منذ زمن على الطير حين تحط وحين تطير..
فقط أكتب عنه الكثير كي لا أحب، وأحمي الذي سيكون بين يدي من اليأس مرات.....

"أنا": وماذا عن الحنين ؟
"هي": نحن المصابون بالحنين نتعجب من الحرج من المستحيل..
ربما هو سماء غير مرئية أو كالكهف الذي أحتمي به فأنا يحاصرني دائمًا حاضر لا أجيد قراءته..

"أنا": وكم من المرات أصابكِ الخوف؟
"هي": أنا دائما أفعل كما يفعل الطفل حين يخاف أبيه وأختبئ كي أتحسس جلد الغياب..
فأنا لا أستطيع لقاء الخسارة وجهًا لوجه.. فقط أكتفي دائمًا بالوقوف على باب الحقيقة كمن يتسول..

"أنا": وماذا عن الرواية؟
"هي": حاولت أن أستعيد بها صورتي، ولكنني كلما توغلت في ليلي الحصين أكتشف بأن لي عالمٌ مستقلٌ عن النص...
فلن أكتب يومًا عن الرمز والحلم والنجم..
ولا عن حب يشبه حبًا وليلًا يشبه ليلًا..
ولم أكذب عندما قلت لكي خذي بيدي.. لنكتب دون إذن ذكرياتنا عن غد يتراجع..
فأنا لا أجيد الكتابة.. فقط أكتب لأترك ذاتي تطلب الإذن من غرباء لزيارة نفسي خمس دقائق....
فالفن يواسي من كسرتهم الحياة..
وكل شيء بالحياة فن أو هو لا شيء..

"أنا": وأنتي؟
"هي": أنا كسبحة الفيروز وحيدة أواسي كل من كان مثلي وحيد..
وأرتل عليهم ترانيم الوحدة للحفظ من الجنون..
مثلها أنا كطوق لتعامل الغريب مع أدوات الغياب..
فقد أحببت الرحيل من وإلى أي شئ..

صورة 3 (سبحة الفيروز)..

والآن..
أقف على حافة بحر هائج أفكر أنه سيهدأ لو أعطيته ظهري وانصرفت. وعندما أغمض عيني للنوم أظن أن الكون يتوقف عن الوجود حتى أفتحها في الصباح...
العالم يدور حولي وأنا مركز كل شيء...
فلم أكن أعلم أنني سأصل يومًا إلى تلك اللحظة التي يتوقف عندها الزمن..
فأنسحب كالمطارد إلى داخلي.. وأبقى دائما في اتزان هش.. فوق رقعة صغيرة تضيق عليً شبرًا كل يوم..

انظر كل صباح من النافذة وأتمنى أن أجد كل شيء كالبارحة..
فالآن افكر فقط في كل الأشياء التي كنت أتمني أن أقولها لكي، ولكن لم يسعفني الحنين أن أقول منها حرفًا..
فلن يخطر في قلبي قبل اليوم الأخير للقائنا مسٌ من الخوف..
لم يكن هناك خوف قبل رحيلك.. قبل أن ينتهي العالم..
قبل أن تتعاقب الأحداث وكأنما يواجهها أبله أو مجنون..
ومثلما لا أجد وصفا للعتمة في قلبي بعد رحيلك فلا أجد وصفًا للضيَ في وجهك..
ياغزالة فقدت ظبيها..
يا من كنتي تنسدلي من جاذبية الجمال الكامل المتكامل..
يامن عقمت كل نساء الدنيا إذا لم تنجب شبيه لك..
فليشرب الأحياء نعناع الخلود من أمهاتهم لو كانوا مثلك..
وليتبين الفقهاء في علم القيامة موقعهم في الفردوس..
(أختي)
ليس هناك ما يكفي من الكلمات ليعلو المجاز على وصفك وواقعك..
وإن كان الخلق من عدم فلابد أنكِ كنتي من نور..
فقد علمتيني أنني إذا بقيت على الذكرى عيونًا خيرًا من أبقى نبيًا في مدينة..

(أختي) هي الخائبة التي ألقت بنفسها في الشارع من الطابق الأعلى.. وأثناء سقوطها كانت ترى عبر النوافذ حيوانات الجيران الخاصة والمآسي وعلاقات الحب السرية ولحظات السعادة الخاطفة التي لم تصلها أخبارها أبدًا..

في اللحظة التي تهشّمت فيها رأسها على رصيف الشارع، كانت قد غيّرت نظرتها للعالم.. وأيقنت حينها بأن تلك الحياة التي هجرتها إلى الأبد هجرتها من الباب الخاطئ..

كانت تستحق أن تُعاش قبل أن ترحل، ويكون كل ما تبقى منها هي سبحة الفيروز..
الجريدة الرسمية