العدوان الخماسي على سوريا
أخطأت الميديا العربية عندما جرت وراء عنوان قديم براق، وأطلقت على العملية العسكرية على سوريا "العدوان الثلاثي"، إما تجاهلًا لطبيعة العدوان أو جهلًا بالمضمون.. سبقت الضربة الثلاثية ضربتان موجعتان إحداهما عبر عنها وزير دفاع الكيان الصهيوني يوم السبت قبل الماضي عندما استهدفت طائراته مطار T4 السوري بقوله إن قواته الجوية عادت للعمل في سوريا، أما المتورط الخامس الذي برر العمل قتلًا ودعمًا للقتل فهى أنظمة عربية معروفة بالاسم.. إذن نحن أمام عدوان خماسي على سوريا.
ما زلت أتذكر ليلة سقوط بغداد عندما كتبت تحت عنوان "أكلنا يوم أكلت بغداد"، وذكرت أن الدول العربية كلها في طابور مقصلة الغرب وأن عجلة القتل والدمار والفوضى لن تتوقف عند بغداد عندما اتصل بي سياسي بارز في نظام مبارك، مؤكدا أن قراءتي خاطئة وأن العراق خرج عن المنظومة، وكان لا بد من تأديبه وأن سقوط بغداد لن تتلوه عمليات أخرى في المنطقة ليس حبًا في العرب، وإنما حرصًا على مصالح الغرب في النفط.
دارت الأيام دورتها ودخلت ليبيا مقصلة الانتحار ببعض أبنائها المدعومين من الغرب، ثم جاء الدور على سوريا ولم يمهلها قليلا إلا فكرة الصراع الدولي على وضع قدم فيها لمصالحها وليس لمصالح سوريا وفي الطريق نهش اليمن لحما وسفك دما، وبات يدور في دوامة لا يعلم إلا الله متى تتوقف أو إلى أين تصل؟! خاصة أن ٣٠٠ ألف قنبلة سقطت على رءوس العباد هناك لم تحدد خارطة للنصر ولم تصل بعد إلى فكرة النهاية.
شاركت مصر- مرسي في واحدة من أكبر خطايا السياسة المصرية تجاه سوريا وأعلنت مصر الإخوانية فتح باب الجهاد، جنبا إلى جنب مع المعارضة المسلحة المعتدلة، والتي أنشأت جيشا أطلقت عليه ميديا الغرب "الجيش السوري الحر".. حر في حصوله على دعم الكيان المحتل وعلاج مصابيه بمستشفياته ونيله دعما عربيا غبيا بنفط خليجي دفع دفعا لقتل الشعب السوري.. ثار شعب مصر وانتفض، وأعاد بوصلة السياسة الخارجية إلى مكانها الطبيعي.
ثورة الشعب المصري أنقذت جيشنا من براثن التمذهب والخطف إلى مساحات لا يعرفها المقاتل المصري العروبي بطبيعته ونشأته، حيث كان ولا يزال جيش العرب المنتصب دفاعًا عن أمة وقيمة وفكرة إنسانية ترفض العدوان وتحيي في النفوس أفكارًا ذهبية لا تزال هي معينه الذي لا ينضب.. عاد جيش مصر وعادت مصر تذكر الإنسانية بقيم استأسد الغرب في تغييرها وتشويهها وطالب الدبلوماسي المصري من جديد بحل يعتمد التفاوض والحوار سبيلا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
في الطريق إلى العودة أصر صانع القرار المصري رغم ما يواجهه من آثام أمة سقطت في مستنقع العمالة ورذيلة التبعية أن يظل ثابتا على موقفه رغم تباين رؤى حلفائه، وظهرت على السطح خلافات لم تثن الوطن عن القيام بدوره تجاه الأمة كلها وها هي الأيام تثبت أن الطابور لا يزال لا يستثني أحدا في واحدة من أقسى الحروب ضراوة لا تقل عن قبح الحروب الصليبية التي يتصور البعض أنها حبيسة كتب التاريخ.
العدوان الخماسي على سوريا ينبئ بتسارع وتيرة النيل من الجميع، خاصة أن الغربي القاتل لم يبتكر وسائل إقناع جديدة، ولم يحاول إرهاق قريحته لإقناع أمة لا تقرأ وإن قرأت فإنها لا تفهم، وإن فهمت فإنها لا تُحرك ساكنا.. تتلقى الطعنات باستمتاع مذهل وتطالب شعوبها بالصمت طريقا للنضال ووسيلة للنسيان وطريقة للدفاع عن الحكام.
ودون أن نفكر جديا فيما يمكن أن تؤول إليه الأحداث من حراك شعبي دفين يغذى نار التطرف ويرفع من درجة حرارة أجيال لا ترى لنفسها مستقبلا في أوطان قادرة على حماية شعوبها، لنقف أمام تساؤل تاريخي يطرحه المتطرفون: ما الذي يجعلنا نلتزم صمتا أمام آلة قتل أوروبية أمريكية إسرائيلية عربية تدك أوطانا وتقتل أطفالا وتذبح شبابا وتئد شعوبا تحت أنقاض صواريخ لم تصنع في الغرب إلا لتجربتها على إنسان العصر الحجري القابع في مجاهل الجغرافية العربية؟
من منا يستطيع أن يواجه فكرة التجنيد الأيديولوجي لآلة التطرف إن استخدمت بحور الدماء العربية وقودا لضم الشباب إليها؟.. من الذي يستطيع أن يقنع الأجيال الجديدة بحوار بين الحضارات وهناك حضارة تمارس القتل فنونا فينا منذ أكثر من قرن من الزمان؟.. أظن أن كل صاروخ يسقط على بيت عربي يقدم للإنسانية مقاتلا من نوع خاص، مقاتلا يجعل الانتحار طريقا للخلاص من حالة الوهن التي نحياها.