ذراعي خط أحمر
السطور التالية تحمل فكرة مبادرة لإنقاذ مريضات سرطان الثدي من تلف الذراع.. ولكي نفهم الموضوع.. أنقل لكم ما روته صاحبة الفكرة بعد مرورها بتجربة كادت تتحول إلى مأساة، لولا لطف الله.
تقول: منذ نحو شهر تعرضت لموقف وأنا أجري عملية جراحية.. هذا الموقف كاد يتسبب لي في عاهة مستديمة بذراعي.. فهناك كثيرون يجهلون أن المصابات بمرض سرطان الثدي، عندما يخضعن لجراحة استئصال الثدي أو جزء منه، لابد أن يقوم الجراح باستئصال الغدد التي تقع تحت الإبط، في نفس الجانب الذي يقع به الجزء المصاب، وذلك كإجراء مكمل للعملية الأساسية، حتى لا يتجدد الورم.
استئصال الغدد يسفر عن عدة آثار صعبة.. فيكون ممنوعًا تمامًا تعرض الذراع الذي أزيلت الغدد منه للجرح أو الحرارة، أو الحقن، أو حتى قياس الضغط عن طريقه، أو ارتداء ملابس ضيقة، أو حمل أشياء ثقيلة، أو مجرد "عصر أي شيء مبتل".
باختصار، يعني تقريبًا هذا الذراع تم الحكم عليه بالإعدام، فتلك الممنوعات لابد من الحرص التام نحوها.. لأن أي مخالفة أو إهمال يعني تعريض الذراع لمرض يسمى "الليمفوديما"، وهو ورم يحدث إثر خروج السائل الليمفاوي خارج الأوعية الليمفاوية؛ بسبب انسدادها ليتراكم بالأنسجة، وفى أغلب الحالات يحدث بالأطراف (اليدين والساقين)، ويعني انتفاخ الذراع المصابة وتحولها إلى ما يشبه "رجل الفيل"، وهذا المرض ليس له أي علاج، على الإطلاق، وللأسف ستظل الذراع مشوهة للأبد.
تقول المريضة: "إحنا للأسف مشوهين نفسيًا عندما تم استئصال جزء من جسمنا.. ولا نريد أن نتشوه جسمانيا".. "غصب عننا أو بسبب ممارسات بتحصل، بسبب جهل ناس كتير بكيفية التعامل معانا ومع ذراعنا المصاب".
وتضيف: عندما دخلت حجرة العمليات لم يسألني أحد عن الذراع التي تم استئصال الثدي والغدد منه، وكانت الممرضات أجنبيات، وبدأن ينزعن "الجاون" من على ذراعي لكي يقمن بتركيب الأجهزة، ووضع "الكانيولا".
في تلك اللحظات كنت فاقدة لتركيزي، وفجأة صرخت: "بس.. وقفي.. متحطيش الإبرة هنا.. أنا عندي "كانسر" وشايلة الغدد".. طبعا هما أجانب ومش فاهمين.. صوتي ارتفع أكثر، ولما الدكتور حضر قلت له.. فقام بتهدئتى لبست هدومى تاني.. وفكوا الناحية التانية السليمة، وطول ما أنا نايمة على السرير لم يكن هناك على لساني غير "ذراعي يارب مينسوش"، مع العلم بأنه مستشفى استثماري كبير.
ترى كم سيدة في مثل تلك الحالة وتعرضت لفقدان ذراعها بسبب الجهل بهذه المعلومة.
السيدة المصابة قررت إطلاق مبادرة لإنقاذ المصابات بسرطان الثدي من تشوه الذراع، ووقايتهن من المضاعفات الخطيرة.. فتقول: "إحنا كلنا، مرضى أو أصحاء، ممكن نتعرض أننا واحنا ماشيين يغمى علينا، أو نعمل حادث.. طيب في الوقت ده لو أغمي عليَّا، ودخلت مستشفى إيه أول إجراء لازم يتعمل؟! طبعا قياس الضغط من الذراع الشمال، وأخذ عينة دم أو نقل دم.. الدكاترة هنا اللي بيلحقونا مش ها يعرفوا انِك مريضة سرطان ثدي وما يعرفوش أي ذراع ممكن يتعاملوا معاها بالحقن وقياس الضغط، وأي ذراع هي السليمة.. علشان كدة فكرت جديا في إطلاق مبادرة، وأطلقت عليها "ذراعي خط أحمر".
وتتمثل المبادرة في ارتداء "أسورة" في الذراع المصابة، ويكون شكلها لطيفًا محببًا، ولا يتم خلعها إطلاقًا.. ويعمم شكلها في كل انحاء محافظات مصر؛ بحيث يحفظها العاملون بكل المستشفيات والعيادات، وحتى الناس العاديين يعلمون أن هذه الذراع مصابة، وبالتالي يجب الابتعاد عنها.