ردها لي بسرعة!
صباح كل يوم، أوسطه، ومسائه، كجرعة من دواء مر لا تنتهى، أجدنى محاصرا بتلك الأعداد الرهيبة من رسائل الوعظ، وفيديوهات المعجزات، وصور الشكر والتهانى، تقفز إلى عيني، وإلى شاشتى، وشاتى، صباح مساء، دون مراعاة، لأي اعتبار، من اقتحام للخصوصية، بلا هدف أو داع، سوي الرغبة في "الغلاسة" و"التلامة" و"التناحة" منقطعة النظير.
رسائل من عينة "إلهى تولع بنار وبنزين ووشك يتحرق، وتروح جهنم ياللى تخليها تقف عندك وما تبعتهاش لغيرك"،"إلهى أشوفك ميت وعيالك متشردين ياللى خليتها تقف عندك"، "ردها لى"، "ابعتها لغيرك"،"هام وخطير وعاجل لعموم المسلمين".
وأخرى على هذا النمط اللزج "في واحد كلمني وسألني عليك واديته رقمك وقال إنه هيكلمك بس لو معرفش يكلمك بيقولك هييجى بعد شهرين اسمه رمضان كريم كل سنة وإنت طيب. (يلاه اعملها في حد تانى)".
وتلك "السمااااااااح السمااااااح، رجعها لي من قلبك، وإني شهدت عليك ربي حتى تسمعها، وترجعها لي".
فكرة إقناع الآخرين بأننا متدينون، ومحاولة فرض الوصاية الدينية والوعظ على الآخرين، والترهيب بالدعاء بالتشريد والموت والكى والحرق على من لا يستجيب، من خلال تلك الرسائل والأساليب السخيفة، التي تدعو إلى النفور ويظن أصحابها أنهم أكملوا رسالتهم المجتمعية، وأدوا واجبهم الدينى والاخلاقى تجاه المجتمع.
سألت أحدهم ذات مرة، تعقيبا على فيديو طويل من المحتمل أن يخل بلياقة "باقتى النتية"، من نوعية "مهم وخطير لعامة المسلمين"، "إيه اللى في الفيديو ده قبل ما أفتحه؟"، فرد في طلاقة لسان يحسد عليها "ماعرفش!"، فسألته مرة أخرى، "طب بتبعت ليه حاجة ماتعرفش محتواها؟"، فرد على في بلاهة شديدة، "لقيت حد بعته لى، فقمت (مفروده) للى عندى كلهم بس أكيد حلو".
أكيد حلو !
هذا هو مربط الفرس، التناقل دون وعى، والبث دون فهم، لمجرد أن أحدهم عنون له الفيديو بأنه مهم وخطير، فماذا لو كان مضمونه مخلا للقيم والآداب العامة، أو يدعو لأفكار هدامة تفت عضد المجتمع وتنخر مثل السوس في قيمه، أو مفاهيم دينية مغلوطة، أو مبالغات وافتراءات، لا أساس لها من الصحة، ولا تدخل مطلقا في صلب سماحة الدين القويم.
فقط، كل ما نرجوه جميعا، دعوة للاستيعاب قبل المشاركة مع الجميع، هل يصلح أم لا، قبل أن تكون سببا في ضرر لا يعلم مداه إلا الله عز وجل، أو إزعاج لصديق مريض، أو مشغول بأمر ما.
فضلا لنحترم خصوصية البعض، وعقولهم.