رئيس التحرير
عصام كامل

شتان بين إنسانية «مايا» وتطرف «فضل»


حدثان تزامنا وأثارا الجدل في لبنان، وشاء القدر أن يثبت إنسانية أحدهما بعمل يحقق رسالة الفن ويوظفها لخدمة المحتاج، ويكشف زيف وادعاءات ثان، ارتدى ثوب التقوى سنوات ثم خلعه طوعا!


أتناول اليوم مبادرة إنسانية للفنانة اللبنانية مايا دياب، وفي المقابل تراجع "المتطرف" فضل شاكر عن الاعتزال وعودته للغناء!

قبل المقارنة بين النقيضين، ينبغي الإشارة إلى تصريح سابق أدلى به شاكر قبل اعتزاله الغناء بدعوى الالتزام الديني، أساء فيه لزميلته مايا، لكنها تجاهلت الأمر ومضت في طريقها الناجح، مهما اختلفنا مع ما تقدمه.

سئل فضل حينها عن رأيه في اختيار مايا مقدمة برنامج "هيك منغني" نجمة العام، فرد متسائلا: "شو عندها مايا دياب.. من أي ناحية اختاروها؟ من ناحية شكلها أو طولها أو جسمها؟ هذا رأيهم في اختيارها بينما أنا أراها غيمة سوداء، ولا يعجبني شيء فيها"!!

الجميل في مايا أنها تترك إنسانيتها تتحدث عنها، فقد بادرت بشكل شخصي لدعم المشردين اللبنانيين، وقررت الغناء في الشارع "منفردة" لجمع المال من أجلهم، على أن تجوب المناطق اللبنانية ثلاث مرات كل شهر.. حملت الفنانة مايا مكبرا للصوت وتوجهت إلى أحد شوارع "بيروت"، حيث يفترش العم "مخايل" الرصيف منذ سنوات.. جلست بجانبه مرحبة به، وأمسكت الميكروفون وشرعت في الغناء، فتجمع المارة على صوتها، نظرت إليهم قائلة: "رح تتفرجوا علينا أو هتحطوا المصاري؟" وبدأت جمع المال منهم لأجل مخايل.

أرادت "مايا" بذكاء شديد لفت الأنظار إلى قضية الفقراء المشردين على الطرقات، على أن تكرر مبادرتها كل عشرة أيام في مناطق مختلفة، مستغلة شهرتها ومهنتها لجمع المال للمشردين ومساعدة الفقراء.. ولم يفت مايا أن تعبر عن خيبة أملها في المسئولين الذين لم يحركوا ساكنًا لإنقاذ قاطني الشوارع، وقالت: "إن أغنى في الشارع والتقى مع الناس ما بيصير لي شي، لكن أن أساعد العم مخايل وغيره سيجلب لي أمورًا جيدة.. أما المسئولون فأتمنى أن يتحركوا، وهذا هو الشارع الحقيقي إذا كانوا لا يملكون فكرة عنه، أنا اليوم عرفتهم عليه".

وبالنسبة لفضل شاكر، فملأ الدنيا ضجيجًا بداية العام 2012 ونعت زملائه بأوصاف مخجلة، واعتبر الفن "مهنة قذرة" وأنه يميل إلى "السلفية" ويتمنى أن يصبح داعية إسلامي، ثم فاجأ الجميع بإطلاق لحيته واعتزال الفن وانضمامه إلى الشيخ السلفي أحمد الأسير، الذي يقود جماعة مسلحة، وواجه الجيش اللبناني في معركة "عبرا" العام 2013، أسفرت عن قتلى من الجيش ومع بدء المحاكمة غيابيا، اختفى الأسير وفضل خشية اعتقالهما، حتى أوقفت الشرطة الأسير العام 2015 في مطار بيروت، أثناء محاولته الهرب إلى القاهرة بجواز سفر مزوّر.. بينما هرب فضل شاكر إلى أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينين، لكنه أطل فجأة لدقائق العام الماضي حليق اللحية، مؤكدا براءته، حتى نجح برنامج "استقصاء" على تليفزيون "الجديد" في استضافته ليسرد حكايته كاملة، حيث يعيش في المخيم.

استبق جمهور فضل إطلالته على "الجديد" بالترحيب به بتعليقات عدة منها "كلنا فضل شاكر"، "قلوبنا معك"، "للبراءة مكملين"، "اشتقنالك"، "معاك لآخر نفس"، وغيرها، لكن دعم "الفانز" لم يصمد أمام هاشتاج "فضل شاكر إرهابي" الذي تصدر "الترند" في لبنان، وانهالت آلاف التغريدات تدين المغني المعتزل وقناة "الجديد" التي تستضيفه.

وأمام رد فعل "السوشيال ميديا" غرد فضل في "تويتر" قائلا: "حبل الكذب وإن طال فمصيره أن يقطع بسيف الحقيقة، فصول من الافتراءات والفبركات ظن أصحابها أنها ستفرض خاتمة ترضي كراهيتهم، لكن من يملك سلاح الحق لا ييأس وإن كان أعزلًا".

قال فضل إنه ابتعد عن الشأن السياسي نهائيا، وأعلن عودته للغناء لكن ليس في لبنان، لصعوبة أن يتقبله الناس في بلده، بعدما تشوهت صورته وأصبح في نظرهم إرهابيًا.. وأوضح أنه يملك استوديو صغيرا، حيث يقيم في المخيم يمكنه من الغناء وتركيب صوته، وأنه سيصدر أغنياته تباعًا، معترفًا أنه لا يملك صوتا قويا، بل يغني بصدق.

أكد فضل براءته وأنه لم يشارك في معركة "عبرا" لأنه اختلف مع الأسير قبلها بشهرين، ولم يكن يصلي خلفه في المسجد، وأن مجنونًا من يحارب ضد الجيش والدولة، وأنه لا يجيد استخدام السلاح، وأن حمله أنواع السلاح المختلفة كان لالتقاط الصور فقط.

رغم تعاطف البعض مع فضل ودعوتهم إلى قبول توبته وطي صفحة الماضي، أبدى الغالبية الغضب من محاولة تلميع صورة الفنان "المتطرف"، وأن عودة شاكر للغناء لن تمحي ما اقترفه من جرائم، معتبرين إطلالته "إهانة لمشاعر أهالي الجنود والضباط الذين سقطوا في معركة عبرا"، وطالبوا باعتقاله لتنفيذ الحكم ومنعه من مزاولة مهنته... وهذا هو الفرق بين من يوظف الفن لخدمة المحتاجين ومن يستغل شهرته لإرهاب المجتمع!!
الجريدة الرسمية