رئيس التحرير
عصام كامل

«في ذكرى وفاته.. الوازع الديني في حياة العندليب».. حافظ على الصلوات.. اعتاد قراءة القرآن قبل النوم وصعود المسرح.. أدى العمرة وحضر غسيل الكعبة.. حفظ كتاب الله.. ورفض تقاضى أجرعلى الأغاني الدي

عبدالحليم حافظ
عبدالحليم حافظ

عندما تحل ذكرى ميلاد أو وفاة العندليب الأسمر، تلتقى أهواء العشاق مع نغمات الإذاعات وشاشات التلفاز، للاحتفاء به وتمجيده وسرد الحكايات عنه، كما لو كان حيا ولم يفارق الدنيا، للدرجة التي دفعت الملحن كمال الطويل -صديق عمره- لوصف شهر مارس، الشاهد على رحيله، بـ «مولد سيدى حليم»، ورغم ذلك لا يعلم الكثير جانبا هاما في حياته، وهو الوازع الدينى والذي كشفه المقربون إليه.


حفظ القرآن
منذ نعومة أظافره كان يحفظ القرآن في كتاب القرية، فقد قال حليم عن نفسه في مذكراته التي نقلها عنه الصحفى "منير عامر" قبل وفاته: «في طفولتى، لم يكن الشيخ يضربنى لأننى كنت أحفظ القرآن وأجيد كتابة الواجب»، ويتذكر بعد ذلك جده الشيخ شبانة الذي كان يقرأ القرآن و«تسكت له الطير» على حد تعبيره، ثم يروى أنه ذات مرة طلب منه المؤذن في الجامع أن يؤذن بنفسه لصلاة العصر وقال «صعدت إلى المئذنة، وناديت الله أكبر.. الله أكبر، وصليت العصر معهم».

الصلاة
الصلاة كانت من الطقوس الخاصة في حياة "العندليب" فقد سرد الفنان حسن يوسف ذكرياته مع «حليم» من كواليس صورة انتشرت فترة على مواقع التواصل الاجتماعى، يظهر فيها العندليب بصحبته يؤديان الصلاة في جماعة داخل منزل الأول، حيث يقف إمامًا وجواره يوسف، الذي يحكى أنها كانت ضمن أحداث أسبوع قضاه في منزل المطرب الشاب آنذاك، للاستعداد لفيلم «الخطايا»، ففيه لعبا دور الأشقاء، بناءً على طلبه، ليتقربا أكثر من بعض ويندمجا كشقيقين.

وعن هذه الصورة يحكى «حسن» أنه اكتشف عبدالحليم «الإنسان» الذي يعيش حياة بسيطة، بعيدة عن التكلف وحسابات النجومية، ويمارس طقوسه بشكل طبيعى «يرتدى الجلباب والطاقية أغلب الوقت داخل منزله، ويحرص على أداء جميع الفروض في أوقاتها، وكان يطلب منى أن نصلى الصلاة في أوقاتها معا».

قراءة القرآن
عُرف عن العندليب أنه اعتاد على قراءة سورة الرحمن قبل نومه بصورة مستمرة حتى يشعر بنوم هادئ، كما كان يقرأ القرآن قبل صعوده على خشبة المسرح، وكان قبل سفره إلى أي رحلة عمل كان يكتب آية "إن الَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ" بالقلم الرصاص في ورقة ويتركها في منزله.

وهو ما أكده الفنان "حسن يوسف" بعدما لاحظ طقوسه الخاصة وتدينه الذي وصفه بـ«المتصوف» خلال إقامته في منزله، قائلا «كان حريصا على قراءة بعض الآيات من المصحف قبل النوم مباشرة، وكنت أرى فيه قيم أبناء القرى وتدينهم الذي يفوق تدين أبناء المدينة».

الرضا بالبلاء
كان العندليب أكثر رضاء بالبلاء، فقد توقف الفنان حسن يوسف خلال سرده ذكرياته مع "عبد الحليم" عند جملة سمعها من العندليب: «من كرم ربنا إن المرض ما اشتدش عليا إلا لما بقى معايا فلوس وقادر أتعالج»، ويستدل منها على صبر حليم على البلاء، مؤكدا أنه «كان راضيا بمرضه، ولم أستشعر لحظة أنه ناقم على ما أصابه، حتى إنه قليلا ما كان يشكو منه»، مضيفا: «التدين لم يفارقه طوال حياته.. لمست هذا تماما بحكم الصداقة التي نشأت بيننا منذ فيلم الخطايا، ولمسته أكثر في أغانيه الدينية التي قدمها في آخر حياته، ففيها تظهر بقوة روح التصوف التي تميز بها».

سجادة الصلاة
كل ذلك أكده عليه الموسيقار محمد على سليمان، وهو يحكي عن تدين حليم بأنه «كان خاصا جدا، بعيدا عن (المنظرة)، حتى إنه في فترة البروفات التي كانت تستمر بالساعات يوميا لمدة شهر في حال لو كانت الأغنية جديدة، كان يتركنا وينفرد بسجادة الصلاة داخل غرفته، ليؤدى الفرض، وأحيانا يتصادف أن يقوم أكثر من عضو في الفرقة لأداء الصلاة ويتوسطهم العندليب في جماعة».

التدين في حياة العندليب- من حديث سليمان- لا يتوقف فقط عند الصلاة والعبادات «فمنزله لا يخلو من الفقراء والمحتاجين، ولا يتردد أبدا في مساعدتهم، في مشهد لا يعبر إلا عن قلب رحيم، مؤمن، يعرف الله جيدا»، هذا الإيمان لمسه الموسيقار أيضا في «دموعه القريبة»، وعندما يشتد عليه المرض «ففى هذه الفترة يختلى حليم بنفسه تماما، وفى الزيارات يجب أن تلمح المصحف بجواره، ومع ذلك لا تأتى سيرة الموت على لسانه، ولا تلحظ عليه أنه يخشى اقترابه، حتى آخر سفرياته التي عاد منها محمولا، لم يكن يرى أن فيها نهايته».

العمرة
في منتصف عام 1976- أي قبيل وفاة «العندليب الأسمر» بأشهر قليلة كانت آخر زيارات عبدالحليم للمملكة العربية السعودية، لتأدية مناسك العمرة، وفيها حضر غسيل الكعبة، وحرص على الصلاة في الأركان الأربعة للكعبة المشرفة، برفقة مدير شرطة مدينة مكة المكرمة في ذلك الوقت، والشيخ جميل جلال الذي كان يشرف على طواف الملوك والرؤساء، وبعد انتهاء المناسك، عاد حليم إلى القاهرة ثم توجه إلى لندن في رحلة علاج أخيرة، حيث توفى في 30 مارس عام 1977، فقد كانت هذه الزيارة بمثابة «مسك الختام» لحياة مليئة بالحب والتعب والكفاح والغناء للعندليب.

التيارات الدينية
ورغم تدينه الشديد لم تهمه التيارات الدينية والإخوان، وحتى محاولات بعض المتشددين استفزاز مشاعره في هذه الفترة والتي باءت كلها بالفشل وهو ما أكد عليه الكاتب الصحفى الكبير والإعلامي مفيد فوزي، الذي جمعته صداقة وطيدة بالعندليب طوال حياته، مشيرا إلى أنه كان لا يبالي بسخرية التيارات المتطرفة من أغانيه.

عدم المبالاة تلك، لا يطرحها «فوزى» كعيب، بل ذكاء في شخصية العندليب، مبررا ذلك بأنه «كان يعرف أنه لا يجب إقحام الدين بسهولة في كل جملة يقولها»، وتذكر موقفا في حوار صحفى سابق مع العندليب، عندما سُئل عن أغنية «قارئة الفنجان» وما إذا كان يصدق الفنجان والودع وغيرها، فرد «قارئة الفنجان تجتهد في أن تعرف خطوط الفنجان، لكنها لا تحدد المصير أبدا»، وهو ما اعتبره مفيد «ذكاء في الرد من رجل مثقف».

الأغاني الدينية
يستكمل «سليمان» حديثه عن حليم، ويتذكر كواليس الأغانى الدينية التي قدمها العندليب في آخر مسيرته، نافيا أنه كان يقدمها لشعوره بأن الأجل قريب، «فقط كانت لديه رغبة في ضمها لمسيرته» إلا أن أهم ما يميزها عن غيرها أنه «رفض تقاضى أجر عليها، بل بالعكس كان ينفق من جيوبه على ألحانها والعازفين لتقديمها».
الجريدة الرسمية