عباس محمود العقاد يكتب: التربية الديمقراطية
في جريدة "الأساس" عام 1949 كتب الأديب عباس محمود العقاد مقالا بمناسبة انتخابات البرلمان يقترح أن يقتصر الإدلاء بالأصوات على المتعلمين فقط:
وقال: "كان من الاقتراحات التي قدمت إلى لجنة الشئون الدستورية بمجلس الشيوخ قصر حق الانتخاب على العارفين بالقراءة والكتابة، وقد رفضت اللجنة هذا الاقتراح لأن اشتراط معرفة القراءة والكتابة في الناخبين ذكورا وإناثا يخالف أحكام الدستور الذي يشترط أن يكون الانتخاب بالاقتراع العام".
وتابع: "في اعتقادنا أن اللجنة أصابت في اتخاذ هذا القرار من وجهة النظر الدستورية ومن وجهة نظر المبادئ الديمقراطية وتطبيقها في بلادنا، فربما قصر الانتخاب على العارفين بالقراءة والكتابة إذا كان العارفون بهما كثر، أما أن العارفين بهما ربع عدد المصريين فليس من الديمقراطية ولا الدستور أن تفرض القلة حقها على الأمة بأجمعها".
وأضاف "العقاد": "قد اطلعنا على حديث للعلامة أستاذ الجيل أحمد لطفى السيد في موضوع الانتخاب فهو يرى أنه قد يمكن أن يقصر حق التمتع بالحقوق السياسية على من يعرف القراءة والكتابة من الرجال والنساء على السواء، والذي نراه أن هذا الاقتراح شرط غير مقبول من الوجهة الديمقراطية إلا على أساس واحد أن يكون القارئين والكاتبين كثر في الأمة هنا يكون لها حق فرض رأيها على الأقلية".
واستطرد في مقاله: "لكن نرى أن المسألة ليست مسألة القراءة والكتابة لكنها مسألة التربية الديمقراطية أو التربية السياسية، ومما هو مشهور متواتر أن الانتخابات في البلاد الإنجليزية تعتبر مثالا لضبط الإجراءات وصحة التمثيل، وليس من المشهور ولا التواتر أن الفرد الإنجليزي أوفر نصيبا من التعلم والدراسة من الفرنسي أو الألماني أو البلجيكي أو الأمريكي، وإنما الفارق في هذه الحالة بين نظام الانتخاب في إنجلترا ونظامه في غيرها هو الفارق في طول العهد بالحياة النيابية".
واختتم "العقاد" مقاله قائلا: "فالوسيلة الوحيدة لتصحيح البرلمانات التي تمثل الأمة هو في تصحيح الأمة نفسها ويتم هذا التصحيح بالتعلم من نتائج الأخطاء التي تعرض لها في كل انتخاب ولا سيما إذا اقترنت الحياة النيابية بالتقدم المطرد في الثقافة والتعليم وتنظيم المجتمع على التوازن الطبيعى بين أسباب المعيشة على اختلافها من صناعية وزراعية واقتصادية، ذلك ما نأمله ونلمح طوالعه ونترقب تمامه في المستقبل القريب".