رئيس التحرير
عصام كامل

جامعة الدول العربية.. 73 عاما من الشجب والإدانة والتنديد

صورة ارشيفية - جامعة
صورة ارشيفية - جامعة الدول العربية

في 29 مايو 1941 ألقى وزير خارجية بريطانيا حينها أنتونى إيدن، خطابًا ذكر فيه "أن العالم العربي خطا خطوات عظيمة منذ التسوية التي تمت عقب الحرب العالمية الماضية، ويرجو كثير من مفكري العرب للشعوب العربية درجة من درجات الوحدة أكبر مما تتمتع به الآن.


ميلاد الفكرة

وعقب مرور عام تقريبًا من خطاب وزير خارجية بريطانيا، دعا رئيس الوزراء مصطفى النحاس كل من رئيس الوزراء السوري جميل مردم بك، ورئيس الكتلة الوطنية اللبنانية بشارة الخوري، للتباحث معهما في القاهرة حول فكرة "إقامة جامعة عربية لتوثيق التعاون بين البلدان العربية المنضمة لها".

وكانت هذه أول مرة تثار فيها فكرة الجامعة العربية بمثل هذا الوضوح، ثم عاد بعد نحو شهر من تصريح إيدن أمام مجلس العموم، ليؤكد استعداد الحكومة المصرية لاستطلاع آراء الحكومات العربية في موضوع الوحدة، وعقد مؤتمر لمناقشته وهي الفكرة التي أثنى عليها حاكم الأردن في حينه الأمير عبد الله.

وإثر ذلك بدأت سلسلة من المشاورات الثنائية بين مصر من جانب وممثلي كل من العراق وسوريا ولبنان والمملكة العربية السعودية والأردن واليمن من جانب آخر وهي المشاورات التي أسفرت عن تبلور اتجاهين رئيسيين بخصوص موضوع الوحدة، الاتجاه الأول، يدعو إلى ما يمكن وصفه بالوحدة الإقليمية الفرعية أو الجهوية وقوامها سوريا الكبرى أو الهلال الخصيب.

أما الاتجاه الثاني، دعا إلى نوع أعم وأشمل من الوحدة يظلل عموم الدول العربية المستقلة وإن تضمن هذا الاتجاه بدوره رأيين فرعيين أحدهما يدعو لوحدة فيدرالية أو كونفدرالية بين الدول المعنية والآخر، يطالب بصيغة وسط تحقق التعاون والتنسيق في سائر المجالات وتحافظ في الوقت نفسه على استقلال الدول وسيادتها.


الاتفاق على التسمية

وعندما اجتمعت لجنة تحضيرية من ممثلين عن كل من سوريا ولبنان والأردن والعراق ومصر واليمن في الفترة 25 سبتمبر إلى 7 أكتوبر 1944 رجحت الاتجاه الداعي إلى وحدة الدول العربية المستقلة بما لا يمس استقلالها وسيادتها.

واقترح الوفد السوري تسمية رابط الدول العربية بـ"الاتحاد العربي"، واقترح الوفد العراقي تسميتها بـ"التحالف العربي"، إلا أن الوفد المصري قدم التسمية "الجامعة العربية" لما رأى منها من ملائمة من الناحية اللغوية والسياسية، وتوافقًا مع أهداف الدول العربية. 

واستقر الجميع في النهاية على مسمى "جامعة الدول العربية".

هي أقدم منظمة دولية قامت بعد الحرب العالمية الثانية، وقد تكونت في 22 مارس 1945، أي قبل منظمة الأمم المتحدة بشهور، وتألفت في أول وقتها من سبع دول عربية كانت تتمتع بالاستقلال السياسي آنذاك، هي: مصر، سوريا، المملكة العربية السعودية، شرق الأردن، لبنان، العراق، اليمن، على أن يكون مقرها في القاهرة.

وفي 22 مارس 1945 تم التوقيع على ميثاق جامعة الدول العربية من قبل مندوبي الدول العربية عدا السعودية، واليمن اللتين وقعتا على الميثاق في وقت لاحق، وتمثلت أهداف الجامعة في تعميق التعاون العربي في كافة المجالات الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، والبشرية، والسياسية، والأمنية، وغير ذلك من المجالات المتنوعة، وبالفعل تم عقد عدة اتفاقيات لتعميق وترسيخ التعاون العربي المشترك.

أمناء الجامعة

تعاقب على الجامعة منذ تأسيسها 8 أمناء؛ عبد الرحمن حسن عزام، ثم عبد الخالق حسونة، ثم محمود رياض، ثم الشاذلي القليبي، في فترة نقل المقر إلى تونس اعتراضا على معاهدة السلام، ثم عصمت عبدالمجيد، ثم عمرو موسى، ونبيل العربي ثم أحمد أبو الغيط.

عقبات الطريق

في الوقت الذي تتصاعد فيه التهديدات التي تواجه المنطقة العربية، تتجه الأنظار عادةً إلى جامعة الدول العربية؛ علَّها تستطيع القيام بدور في دفع الخطر أو وضع حد لاعتداءات القوى المعادية، أو النجاح في بلورة موقف عربي موحد، يمكن من خلاله التصدي لها والتعامل معها.

وقد بنت الشعوب العربية آمالًا عريضة على هذه الجامعة باعتبارها المنظمة الأم التي انتظمت في ثناياها كل الدول العربية، غير أن هذه الآمال كانت في الواقع أكبر من إمكانات الجامعة ومن هامش الحركة المتاح لها؛ فجاء إخفاقها في تحقيق هذه الآمال محبطًا لتلك الشعوب من ناحية، وفاتحًا الباب أمام دعاة التشرذم والقطرية من ناحية أخرى.

وباعتبارها منظمة دولية ذات طابع سياسي؛ فقد كانت غاية الجامعة العربية في نظر الشعوب العربية هي تحقيق الاستقلال والأمن لدولها، والسعي نحو تحقيق التضامن والوحدة العربية، غير أن طريق الجامعة قد اعترضته عقبات عدة، الأمر الذي جرأ دول إقليمية مثل تركيا وإيران على انتقادها ونعته بالضعف عن القيام بدورها لممارسة سياسة الشجب والتنديد وتأجيل القمم.

مهمة أبو الغيط

ويعد الأمين العام الحالي للجماعة الدبلوماسي المصري أحمد أبو الغيط، الذي تحتفل الجامعة اليوم بالذكرى الـ73 على تأسيسها، أقل حظا من سابقيه في المنصب نظرا لاعتلائه كرسي الأمانة في وقت تشهد المنطقة زلزال إرهاب وخصومات بين الأشقاء، وتزامن تسلمه مهام منصبه أيضا مع تصدع سياسي أصاب كبار المنطقة خصوصا مصر التي تملك رمانة الميزان على خلفية أحداث الربيع العربي وما تشهده سوريا الغارقة في بحر من الدم وسط بعد تحولها إلى رقعة شطرنج تعلب فوقها جميع أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية.

مهمة أبو الغيط الصعبة، ينضم لها تفكك الدولة الليبية، وضياع اليمن ومحاولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنهاء القضية المركزية للعرب –فلسطين- بما تسمى صفقة القرن، وأخيرا انضم لقائمة طريق أبو الغيط المفخخ بـ"الألغام" المقاطعة العربية مع قطر على خلفية دعمها للإرهاب، وينتظر الجميع عودة على أمل عودة "بيت العرب" إلى قدرته الحقيقة في القمة العربية المقبلة المقرر انطلاقها بالمملكة العربية السعودية منتصف أبريل المقبل.
الجريدة الرسمية