دراويش «زين العابدين» أرواح هائمة وقلوب متعطشة للنفحات (صور)
خطوات قليلة تنقلك من مسجد أم العواجز السيدة زينب، إلى مسجد الزاهد زين العابدين؛ لتجد نفسك داخل ساحة مسجد أكبر أبناء الإمام الحسين حفيد رسول الله، وفي حضرة مقام الإمام الساجد زين العابدين، كما كان يطلق عليه، نظرا لطول سجوده أثناء صلاته.
وما أن تدلف إلى ساحة مسجد زين العابدين، حتى تجد العشرات من المريدين والعاشقين قد تجمعوا جنبا إلى جنب، والصفوف اصطفت واحدا تلو الآخر، وقد امتلأت نفوسهم بالأحلام والأمنيات التي حملوها معهم قادمين من كل حدب وصوب في بقاع المحروسة، آملين في أن تتحقق في لحظات يرفعون فيها أصواتهم إلى السماء، وواضعين أيديهم على قلوبهم حينها يشعرون أنهم أصبحوا في عالم ثان لحظات نقلتهم من هموم الدنيا إلى نفحات إمام الساجدين.
وتنقسم ساحة مسجد زين العابدين إلى قسمين الجانب الأول يمتلكه ممثل العالم الروحاني أو المنشد، حسب ما يطلق عليه ومهمته أن الإنشاد فيبدأ الحاضرون وهم الدروايش بالترديد وراءه، أما القسم الآخر من الساحة تكون للمريدين الذين يتجمعون فيها ليأخذوا أماكنهم ثم يضعون أيديهم على صدورهم، بحيث تكون اليد اليمنى على الكتف الأيسر، ويبدأون في التمايل في الساحة، مندمجين مع الكلمات التي تحوي نوعا من الموسيقى؛ ليبدأ الشيخ في الانحناء، ومن ورائه المريدين عند ذكر الله أو أسمائه كذلك، عند ذكر المصطفى أو صفاته.
المريدون يواصلون الدوران خلف الشيخ مرة يمينا ومرة يسارا، وتبدأ سرعاتهم في أن تزداد بقوة وأصواتهم تتعالى بشدة، وطالباتهم تملأ ساحة المقام ودموعها تذرف من أعينهم، والآلام تبدأ في الصعود، ثم تبدأ حركتهم في البطء مرة أخرى، حينها يأخذون قسطا من الراحة.
ثم يأخذون قسطا من الراحة؛ ليتجهوا إلى أماكنهم الخاصة التي اتخذوها مجلسا لهم للراحة ثم يبدأون في قراءة أحد الكتيبات الموجودة داخل حوائجهم عن زين العابدين، ويرددون "يا سائلي أين حلّ الجود والكرم عندي بيان إذا طلابه قدموا هذا الذي تعرف البطحاء وطأته، والبيت يعرفه والحلّ والحرم.. هذا ابن خير عباد الله كلّهم.. هذا التقي النقي الطاهر العلم، هذا الذي أحمد المختار والده صلّى عليه إلهي ما جرى القلم.. لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه لخر يلثم منه ما وطئ القدم هذا على رسول الله والده، أمست بنور هداه تهتدي الاُمم.. هذا الذي عمّه الطيّار جعفر والمقتول حمزة ليث حبه قسم هذا ابن سيّدة النسوان فاطمة، وابن الوصيّ الذي في سيفه نقم.. إذا رأته قريش قال قائلها إلى مكارم هذا ينتهي الكرم، يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم".