رئيس التحرير
عصام كامل

حكاية «حُسن» السمعة في الوظيفة القضائية


يساور حلم الالتحاق بالوظيفة القضائية أوائل كليات الحقوق، ويبقى بينهم وبين ذلك الحلم تحقق شروط وضعها المشرع في تشريعات مكملة للدستور، وصارت الإشكالية في كيفية فهم وتطبيق تلك النصوص، ومن بينها شرط حُسن السمعة الذي يمتد للأجداد وأزواج الخالات والعمات وأبناء الأعمام إلى أقصى فروع العائلة ضمانًا لتحقيق ما إرادة المشرع لهذه الوظيفة المرموقة.


وفى هذا المقام وبعد مستجدات الحياة الحديثة صارت الأسرة الكبيرة عبئًا ثقيلًا على المتقدم لهذه الوظيفة المرموقة بل حالت دون تقدم البعض لسحب ملف طلب الالتحاق من الأساس خشية الكشف عن مشكلات بعض أفراد الأسرة الكبيرة.

وكلنا نعلم أن شرط حُسن السمعة والسيرة من الشروط التي يتعين توافرها فيمن يتقدم لشغل الوظيفة القضائية، وذويه من أسرته التي يتأثر بمسلكهم.. ولا يتعين مؤاخذته عن مسلك أقاربه الذين لا ينعكس مسلكهم على سمعته وسيرته خاصة أن بعض الأقارب قد لا يكون لم يرهم وتوفوا قبل مولده.

ولا يجوز شرعًا وقانونًا مؤاخذة الخريج المتفوق الحاصل على تقدير امتياز أو جيد جدًا والمتقدم لشغل الوظيفة القضائية عن ذنب لم يرتكبه مما يؤثر في مستقبله الذي سهر الليالي من أجله مما يحطم آماله، وفي الوقت ذاته لا جدوى من محاسبته عن أفعال أحد أقاربه ممن حسنت سيرته فيما بعد ورُد إليه اعتباره.

وإذا كان الله سبحانه وتعالى خالق العباد يغفر الذنوب لمن تاب ويمحو الخطايا لمن أناب ــ فلا أقل من أن يسترشد العباد في هذه المجالات بأسس الشريعة السمحاء مرضاة لوجه الله وحفاظًا على آمال الشباب من الضياع بسبب لا يد لهم فيه سوى تقاليد وأعراف مجتمع بالية تتوسع في استظهار الخطأ من جانب الأسرة لتقضي بها على آمال وأحلام المجتهدين مما ينعكس سوءًا على المجتمع بتحول هؤلاء المجتهدين إلى حالة من البؤس تنتحب صدورهم وتؤدي بهم إلى المهالك من الأفعال.

ويكون الأمر أحسن لو اكتفى في مجال التحري عن الأقارب في بوتقة الأسرة الصغيرة فقط، والمتمثلة في المتقدم لتلك الوظيفة القضائية وإخوته ووالديه دون أن يشمل ذلك الأسرة بمعناها الأكبر، حيث لا توجد أسرة في هذا العصر يخلو أحد أفرادها من مشكلة أصابته بأي سبب كان ولو كان دمث الخلق.

ومن ناحية أخرى فإن المشرع لم يحدد أسباب فقدان حُسن السمعة والسيرة الحميدة على سبيل الحصر وأطلق المجال في ذلك لجهة الإدارة تحت رقابة القضاء الإداري، والذي استقرت أحكامه على أن السيرة الحميدة والسمعة الحسنة هي مجموعة من الصفات والخصال التي يتحلى بها الشخص فتكسبه الثقة بين الناس وتجنبه مقالة السوء وما يمس الخلق، ومن ثم فهي تلتمس في أخلاق الشخص نفسه، إذ هي لصيقة بشخصه ومتعلقة بسيرته وسلوكه ومن مكونات شخصيته ولا يؤاخذ على صلته بذويه إلا فيما ينعكس منها على سلوكه.
الجريدة الرسمية