توفيق الحكيم يكتب: المجازفة سر النجاح
في كتاب «قلت ذات يوم» جمع الأديب توفيق الحكيم مقالاته التي نشرها بجريدة الأهرام ومجلة آخر ساعة وأخبار اليوم، وفي أحد هذه المقالات وتحت عنوان «ذم بضاعتك» نشره في أخبار اليوم عام ١٩٤٩ يقول فيه:
الكاتب الأمريكي وليم سارويا أراد أن يعرض للبيع بيتا يملكه فنشر في الصحف إعلانا يقول «منزل سيئ الموقع، غير صالح للسكن، إذا كان أمره يعنيك فإما أن تستعلم عنه بالتليفون وإما أن تقوم بمعاينته»، بواسطة عالم من علماء النفس.
وفي اعتقادي أن أفواجا من الناس قد هرعوا لمشاهدة مثل هذا البيت وبالرغم من أن صاحبه بدل المدح ذما فقد بيع البيت بأبهظ ثمن وأثبت صاحبه أيضا أنه بمثل هذا الإعلان فهو عالم من علماء النفس.
لقد درس بلا شك نفسية الجماهير وأدرك أنها اعتادت على مدح البائع بضاعته ولكن الجمهور ما اعتاد أن يرى بائعًا يذم بضاعته ويسبها علنا وينصح المشتري أن يتبصر ويحترس.. هذه الحيرة وهذا العجب هما اللذان يدفعان افواج الناس إلى الذهاب لمعاينة البضاعة المذمومة واستجلاء حقيقتها.
وجد المحللون أن في اعتراف البائع برداءة بضاعته استدارًا لعطف المشتري كاعتراف المرأة الخاطئة على الملأ وأغلب الظن أن صاحب المنزل نجح في بيعه بهذا الإعلان حتى وان كان المنزل سيئ الموقع والسكن.
أن مجرد تصريحك بعيوبك فضيلة.. هذه الحكمة فهمها صاحب الإعلان حق الفهم ولكن هل في مقدور كل البائعين أن يلجأوا إلى هذه الطريقة؟ إنها مجازفة بلا شك وجائز أن يحدث هذا خصوصا في بلاد حب الاستطلاع كثير في أهلها وسرعة التصديق منتشرة عند أغلبيتهم ولكن.. أليس كل نجاح مرهونا بالمجازفة.