سكرتير رئيس الجمهورية (2)
بعد الحديث عن مذكرات رئيس الجمهورية كان لا بد أن نتحدث عن الصندوق الأسود للرؤساء "السكرتارية"، وتاريخ مصر حافل بهؤلاء الأشخاص فكانوا يسمون فى العصر الفرعونى الوزير قبل أن يتبلور عمل الوزير بعد ذلك، ولعل أشهرهم كان هامان وزير فرعون وهارون وزير سيدنا موسى، ثم تطور الأمر إلى أن يصبح رئيسا للديوان ثم سكرتارية خاصة بجانب رئيس الديوان.
السكرتير هو ذلك الشخص "كما وصفته جدران المعابد الفرعونية عينا ملك الوجه البحرى وأذنا ملك الوجه القبلى"، أى أن السكريتر هو الذى يرى ويسمع ثم ينقل كل ذلك إلى الملك أو الوالى أو الخديوى أو السلطان أو الرئيس، لذلك فإن السكرتير يستطيع معرفة كيف يعرض الأمور على الرئيس ومتى يعرضها وأى الأمور يخفيها وهكذا .
منذ تشكل الجمهورية المصرية عرفنا أسماء سكرتارية رئيس الجمهورية فالرئيس عبد الناصر كان سكرتيره الشخصى هو سامى شرف، والذى كان من الرعيل الأول الذى أسس جهاز المخابرات العامة ورفيقه على صبرى، ثم عمل برئاسة الجمهورية بعد ذلك سكرتيرا للرئيس عبد الناصر للمعلومات حيث كان يعرض عليه كل التقارير ويسلمه كل الجرائد، وأحيانا كان يحاول أن يخفى عنه أشياء كثيرة كان يعلم أنها تضايق الرئيس ولكن الرجل -وهذه شهادة شهدها كل من عملوا معه- لم يكن يخفى عن عبد الناصر أدق الأشياء، ولكن ذلك لأن الرجل قرأ طبيعة عبد الناصر نفسه الذى يهتم بكل شيء حتى أدق التفاصيل، لذلك كان من الصعب على سامى شرف إخفاء أى تفصيلة عن عبد الناصر، وفى آواخر أيام الرئيس عبد الناصر كانت قرينته هدى "تساعده" فى أعمال السكرتارية، وكانت شبه مسئولة عن مكتبه بمنشية البكرى.
ثم تولى الرئيس أنور السادات الحكم وورث تركة الرئيس عبد الناصر بما فيهم السكرتارية، فكان سامى شرف سكرتيرا له حتى أطاح به فى حركة 15 مايو 1971، والتى عرفت بثورة التصحيح، كما تخلص من على صبرى وعدد من رجال عبد الناصر حتى تستتب له أمور الحكم، ولكنه أبقى على أشرف مروان زوج ابنه الرئيس عبد الناصر كسكرتير للمعلومات ومضطلعا بأعمال خطيرة للغاية كشف عن بعضها مواربة، وهذا مثار حديث آخر، ثم كان أن أصبح السيد فوزى عبد الحافظ سكرتيرا خاصا للرئيس السادات، والذى كان يثق به كثيرا، وكان قبل ذلك سكرتيرا للسادات منذ أن كان الأخير رئيسا لمنظمة المؤتمر الإسلامى ثم رئيسا لمجلس الأمة ثم نائبا لرئيس الجمهورية، كان فوزى شديد الولاء للسادات محبا له حتى أنه تلقى عنه العديد من الطلقات أثناء حادث المنصة فى 6 أكتوبر 1981 بعدما ألقى بجسده عليه، كانت درجة ثقة السادات فى فوزى كبيرة حتى أنه أرسله إلى إسرائيل لترتيب زيارته للقدس.
وفى عهد حسنى مبارك والذى استمر ثلاثون عاما تقريبا لم يلمع فى عصره إلا ثلاث أسماء الأول زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية، وهو يعتبر السكرتير الأكبر للرئيس والمختص بشئون الرئاسة كاملة، ود. مصطفى الفقى والذى عمل سكرتيرا للرئيس للمعلومات، والذى يحكى عن مواقفه مع الرئيس، ولكن حكاياته فى الفضائيات من النوع الذى يقترب من النميمة أكثر من ذكر الحقائق، ففى جعبة الرجل الكثير من الأسرار ويتذكرها جيدا بحكم عمله ثمان سنوات كاملة مع مبارك، ولكن الأمور الآن تفرض عليه ألا يقول كل ما يعرف انتظارا للوقت المناسب وهو بالطبع معذور فى ذلك، فالفقى تحوى رأسه أسرارا غاية فى الخطورة، واعتقد أنه لا بد أن يكتب مذكراته حتى نعرف جميعا ماذا كان يدور فى كواليس مبارك وكيف يصنع القرار فى تلك الفترة المهمة، أما الثالث فهو المرحوم جمال عبد العزيز والذى تعرف عليه مبارك فى الكويت عندما كان جمال يعمل بالسفارة المصرية هناك، وكان مبارك نائبا للرئيس السادات وطلب منه العودة معه والعمل سكرتيرا له، وبعد اغتيال السادات وتولى مبارك رئاسة الجمهورية أصبح جمال عبد العزيز سكرتيرا للرئيس مبارك، توفى الرجل وترك لغطا كثيرا فقد قبض عليه بعد ثورة يناير وأودع سجن طرة متهما فى قضايا فساد وتربح واستغلال نفوذ وكان بمثابة الصندوق الأسود لمبارك فهو يعرف عنه كل تفصيلات حياته وكيفية اتخاذ قراراته، وخرجت بعض وسائل الإعلام لتقول إن ثروة جمال عبد العزيز تتجاوز 11 مليار دولار، وأن مبارك كان يستمع له مع الاثنين المقربين زكريا عزمى وعمر وسليمان، وقيل أيضا إنه كان مهندس عمليه التوريث لصالح جمال مبارك.
كل تلك المعلومات الواردة فى المقال استقيتها من الكتب ومن التقارير الصحفية والأخبار، قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة، وقد يكون بعضها صحيح والبعض الآخر خطأ، ولكن الوثائق التى تؤكد أو تنفى كل تلك المعلومات لم تظهر بعد، ولكن المؤكد أن سكرتير الرئيس هو ببساطة الرئيس فى نسخة مصغرة.
وللحديث بقية..