رئيس التحرير
عصام كامل

الدعم العسكري الألماني للعراق.. تعدد المكونات أبرز التحديات

فيتو

انتهت الحكومة الألمانية مؤخرًا، من عملية إعادة النظر في مهمة الجيش الألماني في العراق. الإطار الجديد للمهمة يأخذ بشكل خاص تنوع القوميات والمذاهب بنظر الاعتبار أكثر من الماضي، خصوصًا فيما يتعلق بالتعامل مع الأكراد.

إزالة مخلفات الحرب وشفافية البنى القيادية للجيش والخدمات الطبية والصحية واللوجستية هي أبرز فقرات برنامج الحكومة الألمانية الخاص بدعم الجيش العراقي عبر دورات تدريبية يقوم بتنفيذها الجيش الألماني، حسب معلومات القناة الأولى للتليفزيون الألماني "ARD". فيما لا يزال التعاون في هذا المجال مستمرًا بين مدربين من الجيش الألماني والبيشمركة الكردية في شمال العراق.

وإلى جانب استمرار المشاركة في القتال مع قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم "داعش"، تضع ألمانيا أمر تقوية الجيش العراقي المركزي ودعمه في صلب مهمات الجيش الألماني في العراق. ويجري الحديث بشكل خاص عن "دورات تدريبية متخصصة" تهدف إلى إعداد مدربين محليين لمواصلة تدريب بقية وحدات الجيش العراقي إلى جانب إجراءات تدريبية تهدف إلى إعادة بناء القدرات القتالية والتنظيمية للجيش النظامي العراقي والقوات الأمنية الأخرى التابعة للحكومة المركزية في بغداد.

الهدف: إعداد جيش لعموم العراق
من جانبها وخلال زيارتها الأخيرة للعراق مطلع شهر شباط/فبراير أكدت وزير الدفاع الألمانية أورزولا فون دير لاين على المهمات اللوجستية والصحية بشكل خاص. وبالإضافة إلى ذلك يكون من مهمات الجيش الألماني المستقبلية في العراق أن يلعب دورًا استشاريًا فيما يخص بناء البنى القيادية الشفافة للجيش العراقي.

في هذا السياق صرحت الوزير فون دير لاين بالقول: "طلبت بغداد وأربيل أيضًا منا أن نساعد على تطبيق إصلاحات ضرورية، منها ما يخص بإعادة ترتيب شئون وزارة الدفاع وتوسيع الهيكل التنظيمي للوزارة"، حسب قول الوزيرة. وأضافت الوزيرة أن العراقيين طلبوا مساعدات في الجانب اللوجستي أيضًا. وقالت الوزير في هذا السياق إنها "طلبات تخص عناصر استقرار على المدى البعيد تساعد على وضع العراق في المستقبل كي يكون قادرًا على امتلاك جيش قوي وذي قدرات قتالية عالية وموال للدولة. وهو أمر تعتزم ألمانيا المساهمة فيه".

يشار إلى أنه وقبل التعديل الحالي على نص مهمة الجيش الألماني في العراق أن نقاشًا ساخنًا كان يدور حول جدوى المهمة الألمانية في العراق على المدى البعيد. في هذا السياق كان للسياسي من حزب الخضر والخبير بالشئون الخارجية في كتلة الحزب البرلمانية أوميد نوريبور رأي مفاده: "الهدف يجب أن يكون في نهاية المطاف وحدة البلد الداخلية". وأضاف نوريبور في حديث مع إذاعة "دويتشلاندفونك" "يجب أن تكون عملية إصلاح للقطاع الأمني للبلد بحيث لا يكون هناك في النهاية، مثل تشكيلًا سنيا بحتًا أو شيعيًا بحتًا أو كرديًا بحتًا، بل يجب أن يكون التشكيل الأمني عراقيًا بحتًا"، وإذا حدث ذلك، فسيكون ذلك بمثابة "خطوة كبيرة إلى الأمام".


التعاون مع الأكراد
وتشكل التطورات على مضمون إطار المهمة التي صادقت عليها الحكومة الألمانية تغييرًا كبيرًا في مهمة الجيش الألماني في المنطقة والذي كان سائدًا لحد الآن. ورغم أن مشاركة ألمانيا في مهمة القوات الدولية لمكافحة "داعش"، كالطلعات الجوية الاستطلاعية وتزويد الطائرات بالوقود من الجو ستبقى كما كانت لحد الآن، لكن مهمة الجيش الألماني في شمال العراق والذي كان يتمثل بتدريب قوات البيشمركة الكردية ستنتهي بحلول الثلاثين من حزيران /يونيو المقبل.

ويبقى السؤال وفي إطار التغييرات على إطار مهمة الجيش الألماني في العراق عن حجم نشاط الجيش الألماني في المنطقة الكردية بشمال العراق في المستقبل. فهناك حديث عن ضرورة توازن مناسب ما بين الحكومة المركزية في بغداد والمنطقة الكردية بشمال البلاد. لكن الجملة التي تليها تلغي هذا الهدف، حسب معلومات القناة الأولى للتليفزيون الألماني "ARD"، حيث تشير المعلومات إلى أن الحكومة الألمانية تضع مهمة زيادة قدرات القوات العسكرية العراقية المركزية على رأس الأولويات فيما يخص نشاط الجيش الألماني في العراق وفي المنطقة.

ولا يمكن اعتبار أن في الأمر تناقضًا بالضرورة. ففي نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي أجرى الرئيس السابق للإقليم الكردي مسعود بارزاني استفتاء غير ملزم قانوني بشأن استقلال الإقليم عن العراق، وصوت أكثر من 90% من أكراد المنطقة لصالح الاستفتاء، إلا أن المحكمة العراقية العليا اعتبرت الاستفتاء غير قانوني. ورغم ذلك تم إجراء الاستفتاء، مما دفع بالمحكمة العليا العراقية إلى إلغاء النتيجة. وفي الأول من تشرين الثاني/نوفمبر قدم مسعود بارزاني استقالته من منصبه. وفي تشرين الأول/ أكتوبر تم وقف نشاط الجيش الألماني التدريبي في المنطقة الكردية لفترة قصيرة.


تصورات كردية متحفظة
ويقول هينر فورتيج، مدير معهد دراسات الشرق الأوسط "GIGA" في هامبورغ في حديث مع DW "إنه ومنذ انتهاء أزمة الاستفتاء باتت العلاقة بين منطقة الحكم الذاتي والحكومة المركزية تشهد نسبيًا نوعا من الانفراج". ويضيف الباحث الأكاديمي "أنه ومنذ ذلك الوقت لا يبدو أن الأكراد لديهم طموح واضح للمستقبل القريب في الاستقلال، فبعد النهاية الكارثية للاستفتاء لا توجد مؤشرات على محاولة الانفصال عن الدول العراقية".

وكل ما يطمح إليه الأكراد حاليًا هو العودة إلى ما كانوا يتمتعون به قبل الاستفتاء من مزايا الحكم الذاتي. ويقول فورتيغ في هذا السياق: "للأكراد برلمان خاص بهم وعمليًا يحكمون أنفسهم بأنفسهم، وتمكنوا بشكل قانوني من تصدير النفط. كما لهم قوات عسكرية لحماية الحدود ومع البيشمركة يملك الأكراد عمليا جيشًا خاصًا بهم. ويسعى الأكراد حاليًا إلى الحفاظ على هذه المكتسبات القديمة مع السعي المستمر لتوسيعها، حسب تعبير هينر فورتيغ.


الجيش الألماني كجسر بين بغداد وأربيل
يعرف إطار المهمة الألمانية في العراق قوات البيشمركة الكردية وبشكل لا يقبل اللبس بأنها جزء من "القوات العراقية النظامية". شكليًا يمكن اعتبار التعريف صحيحًا، رغم أن البيشمركة الكردية لم تحصل على رواتبها النظامية منذ سنوات من الحكومة المركزية في بغداد. وفي زيارتها للعراق مطلع شباط/فبراير المنصرم تحدثت وزير الدفاع فون دير لاين عن دور ألماني لبناء الجسور بين بغداد وأربيل.

وليس مستبعدًا أن يلعب الجيش الألماني من خلال مهمته في العراق دورًا كبيرًا في مساعي التقارب بين القوات الكردية وبقية القوات العسكرية العراقية. في نفس الوقت يمكن للتعريف الجديد للمهمة الألمانية أن تعمل من أجل تقريب الأكراد من بقية الدول الأوروبية.


الأكراد والغرب.. تقارب وخيبة أمل
تجدر الإشارة إلى أن الأكراد لهم خبرة فيما يخص التعاون مع الغرب يمكن وصفها بأنها مزدوجة، كما يقول الخبير فورتيغ. ويضيف لقد عبر الأكراد في الماضي أكثر من مرة عن رغبتهم في التقارب مع الغرب وقاموا بنشاط مشترك أيضًا في هذا المجال، لكن الغرب أحبط الأكراد أكثر من مرة بعد أن كانوا قد علقوا آمالهم عليه.


بيد أن الأكراد توفرت لديهم خبرة إيجابية مؤخرًا، خصوصًا في يخص التعاون في مجال مكافحة داعش. فقد أثبت الأكراد قدرتهم على التعامل الندي وصارت لديهم قناعة بأن عملًا مشتركا مع الغرب على مدى سنوات طويلة ممكنًا. كما شعر الأكراد بغبطة كبيرة عندما زودتهم ألمانيا بالسلاح لحماية الإيزيديين في حينها. في هذا السياق يقول الخبير فورتيغ "يجب مواصلة السير على خطى التعاون وبهذا الاتجاه".

كيرستن كنيب/حسن ع.حسين

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل

الجريدة الرسمية