«الساحل والصحراء» الأفريقية.. حكاية أخطر منطقة إستراتيجية في العالم
الساحل والصحراء الأفريقية، منطقة رخوة تتصارع عليها الجماعات الإرهابية وخاصة "القاعدة" و"داعش"، كما تشكل ورقة صراع دولي ونفوذ بين قوي دولية متعددة في مقدمتها فرنسا والولايات المتحدة والصين.
الفضاء الجغرافي للساحل والصحراء، يشمل من الناحیة الجغرافیة المنطقة الفاصلة بین شمال أفریقیا، وأفریقیا جنوب الصحراء، فھي تمتد من البحر الأحمر شرقًا إلى المحیط الأطلسي غربًا، شاملة السودان، تشاد، والنیجر وموریتانیا والسنغال، وھناك تحدید آخر لإقلیم الساحل وھو الإقلیم الذي یغطي القوس الممتد من السودان إلى موریتانیا، ویطلق بدقة على بلدان ثلاثة محوریة ھي مالي والنیجر وتشاد.
كما أن أهمٌيٌة الصحراء الأفريقية، تكمن في اتساعها وقلة عدد سكانها وقربها من منابع النفط والعديد من المعادن الثمينة الأخرى، وهي على مسافة واحدة بين أروبا والمشرق العربي، وكذلك على نفس المسافة بين الجزائر ونيجيريا، أول وثاني منتج للبترول في أفريقيا.
وتسعي العديد من الدول من أجل إحكام السيطرة على منطقة الساحل والصحراء لحماية مصالحها في هذه المنطقة الغنية بالنفط والثروات المعدنية (الذهب، البوكسيت، اليورانيوم، الحديد، النحاس، اللتيوم، المنجنيز، الفوسفات، الملح..)، فالإحتياطات النفطية تقدر بنحو 120 مليون برميل.
حضور إرهابي قوي
وجاء الهجوم الأخير الذي استهدف رئاسة أركان القوات المسلحة في بوركينا فاسو، وعلى السفارة الفرنسية في واجادوجو " من قبل تنظيم "نصرة الإسلام والمسلمين"، الإرهابي، ليوضح حجم الجماعات الإرهابية في منطقة تشكل غطاء وبيئة إستراتيجية للتحرك والتمويل والتدريب والتسليح.
وهناك العديد من الجماعات الإرهابية التي تنشط في الساحل والصحراء، فهناك جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" والتي تشكلت في مارس 2017 من 4 جماعات إرهابية ومتشددة، تحت لواء تنظيم القاعدة وهي تضم "إمارة منطقة الصحراء، والمرابطون، وأنصار الدين، وكتائب ماسينا" ويبلغ عددها نحو 10 آلاف إرهابي.
وهناك تنظيمات موالية لـ"داعش" بالإضافة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والجماعات المسلحة "الصغيرة " على الحدود الليبية مع مصر شرقا، وحتى العاصمة الموريتانية "نواكشوط" على ساحل المحيط الأطلسي غربا، وصولا إلى طرابلس الليبية شمالا وحتى العاصمة النيجيرية "أبوجا" جنوبا.
الجريمة العابرة للحدود
إلى جانب الإرهاب هناك أيضا الجريمة العابرة للحدود، فمنطقة الساحل والصحراء، تشكل منطقة محوريّة للجريمة العابرة للحدود، فثمّة نشاط متعدد يحقق أرباحا ودخلا هائلا للمسؤولين الفاسدين في منطقة الساحل والصحراء، وكذلك الجماعات الإرهابية والمسلحة.
وهي منطقة مثالية للباحثين عن الربح والثراء السريع، فهناك خمس مهمّات توسّعت بشكل ملحوظ منذ العام 2003 تقريبًا: تهريب صمغ الحشيش المغربي، وتهريب الكوكايين، وعمليات الاختطاف للحصول على فدية وانعاش تجارة الأسلحة المهربة، وخاصة عقب سقوط نظام معمر القذافي بالإضافة إلى معابر "الهجرة غير الشرعية - الاتجار بالبشر".
وحوّل الأفراد والشبكات الضالعة في هذه الأنشطة ثرواتهم إلى نفوذ سياسي وقوة عسكرية، وأشارت تقديرات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) في 2009، إلى أن السجائر المهربة عبر هذه الطرق تمثّل نحو 60 في المائة من سوق التبغ الليبية (أو 240 مليون دولار من العائدات على مستوى التجزئة) و18 في المائة من السوق الجزائرية (أو 228 مليون دولار).
كما قدّر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدّرات والجريمة أن نحو 14 في المائة من الكوكايين الذي يدخل إلى أوروبا - أو 20 طنًا، بلغت قيمتها بسعر الجملة 1 مليار دولار في أوروبا الغربية - مرت عبر غرب أفريقيا في العام 2008، كما حقق تنظيم القاعدة، وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، نحو 65 مليون دولار ارباخ من عمليات الخطف منذ العام 2008، وتم تهريب نحو 10 آلاف مقاتل من أفريقيا إلى ليبيا أو الصراع السوري عبر الفوضى الليبية، وهو ما يهدد الدولة المصرية.
وجاء مؤتمر بروكسل في فبراير الماضي ليشكل تحرك أوروبي لمواجهة الجريمة العابرة للحدود وكذلك محاربة مبكرة للجماعات الإرهابية بالمنطقة وأيضا وضع أيديهم على ثروات المنطقة.
صراع الحكومات
وتعد أفريقيا المخزون الإستراتيجي في المواد الخام والثروات الطبيعية، وهناك صراع إقليمي ودولي على الفوز بأكبر حصة في ثروات القارة السمراء، وتشكل منطقة الساحل والصحراء من أهم المناطق الغنية بالثروات.
الولايات المتحدة حاضرة أيضا في منطقة الساحل والصحراء عبر قوات "افريكوم" والتي مقرها بمدنية شتوتجارت الألمانية، ولا ينكر المسئولون الأمريكيون أن أحد أسباب إنشاء قيادة عسكرية خاصة بأفريقيا هو تأمين واستقرار التنقيب عن النفط والمعادن في القارة الأفريقية، فقد شكلت الاضطرابات التي تكررت في حقول النفط في منطقة دلتا النيجر خاصة في الحقول النيجيرية منذ عام 2003، ناقوس خطر لدولة تعتمد بشكل كبير على نفط هذا الإقليم.
فرنسا لها حضور عسكري وسياسي ونفوذ قديم في هذه المنطقة بفعل انها كانت مناطق استعمارية قديمة للدولة الفرنسية، وفي ظلّ الوضع المعقّد في أفريقيا، ليس في شمال مالي، بل في شريط واسع واقع بين نهر السنغال من واجهة المحيط الأطلسي إلى جزيرة السودان، ومنطقة القرن الأفريقي المطلة على المحيط الهندي.
ومن الجنوب الجزائري إلى شمال نيجيريا، تسعى فرنسا للحفاظ على مكتسباتها التاريخية، والطاقوية بشكلٍ أخصّ، كون الأهمية الإستراتيجية للمنطقة بالنسبة للإدارة الفرنسية تتجلّى في ثرواتها الطبيعية.
وتنتج فرنسا ما يقدّر بنحو 20% من كهربائها من الطاقة النووية، ومن شركاتها شركة أوراسن وشركة أريفا العملاقة لإنتاج الطاقة النووية، ويتم استخراج اليورانيوم في كلٍّ من الحدود المالية النيجيرية وأفريقيا الوسطى، وهكذا نلاحظ أنّ المصالح الفرنسية مرتهنة بوجود الأمن والاستقرار في المنطقةن لذلك أطلقت باريس في 2014 عملية "برخان" لمكافحة التمرد في منطقة الساحل الأفريقي، وهي تتألف من 3000 من القوة الفرنسية والتي ستكون دائمة ومقرها في نجامينا عاصمة تشاد.
الاتحاد الأوروبي دخل على الخط وكان حاضرا في استضافته "دعم دول الساحل في مواجهة الإرهاب، بروكسل حيث أعلنت فيدريكا موجيرينى، منسقة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، تعهد المشاركين في المؤتمر الدولى بدفع مبلغ ٤١٤ مليون يورو، وأشارت إلى أن مساهمة الاتحاد، بدوله ومؤسساته بلغت ١٧٦ مليون يورو لصالح القوة المشتركة فقط.
الصين الدولة الأكثر حضورا في أفريقيا، حيث تشكل تهديدا وجوديا لكلا من فرنسا والولايات النتحدة الأمريكية، إستثمارت الشعب الأصفر في القارة السمراء، فالمبادلات التجارية الصينية - الأفريقية، ناهزت 190 مليار دولار سنة 2016، وأنها، اليوم، أكثر أهمية من علاقة القارة الأفريقية مع الهند وفرنسا والولايات المتحدة مجتمعة.
ومؤخرا دخلت مجموعة "باور كونستراكشن" الصينية إلى منطقة الساحل وبالتحديد منطقة بحيرة "تشاد" لإنقاذ البحيرة من الجفاف عبر مشروع "ترانزاكوا" بتكلفة 14 مليار دولار، ويهدف لحفر قناة طولها ألفان و600 كيلومتر من أراضي جمهورية الكونغو الديموقراطية مرورا بأفريقيا الوسطى، وصولا إلى البحيرة ذات المياه العذبة.
والي جانب الدول الكبري تتواجد دول تسعي لوضع قدم لها والحصول على جزء من الكعكة الأفريقية مثل تركيا وإسرائيل وإيران،.