رحيل بطعم البقاء
وكأنه رسم على وجهه الطفولي البريء كل ملامح شباب قريته "ظهر التمساح" بالبحيرة.. وكأنه جمع طيبة الريف في تصرف عفوي يتقافز به كعصفورة نادرة.. وكأنه اختزل سنوات العمر الإنساني منذ الخليقة في فلسفة حياة لم تستمر أكثر من سبعة وعشرين عامًا.. وكأنه أراد بفراقه أن يرسم على وجوه كل من تعاملوا معه دهشة الخطف المباغتة.. وكأنه اختصر كل مسافات العمر البشري في قرار مفاجئ أذهل جمهور المسرح برحيل لم يكن عاديًا أبدًا.
عن ذلك الشاب الذي أدمى برحيله قلوب من أرادوه أن يقف برهة ليشرح نفسه فلم يفعل.. عن "رضا غنيم" فقيد الصحافة المصرية وأيقونة الرحيل المفاجئ أتحدث.. ما زلت أتذكر جيدًا عندما واتته فرصة أخرى غير فرصته في "فيتو".. عندما أراد أن يرحل عن أصدقائه ورفاقه من شباب الجيل في "فيتو" إلى "المصري اليوم".. كان مهذبًا ومتأنقًا ورقيقًا، وهو يطلب السماح له بالانضمام إلى مؤسسة أخرى.. ذهب إلى "المصري اليوم" لتكون آخر محطاته في الحياة.
رحل الشاب الذي لم نره يومًا في منطقة خصام أو شقاق.. رحل الولد الشقي الذي ملأ الدنيا صياحًا وبهجة وأغنية عاشها بكل جوارحه.. ولأنه كان ابن موت فقد عاش كل لحظاته مدهشًا، إلى حد مباغتة الدهشة نفسها.. في كتاباته، في صولاته وجولاته، في تأنق جملته الصحفية، وتألق أدائه الإنساني الرائع.. رحل "رضا" عن دنيا لم أكن أتصور أنه كان عازمًا على الارتباط بها أكثر من ذلك، رحل فكان في رحيله يكتب معنى للبقاء.. مر من هنا ومن هناك فكان مروره.. مرور الكرام!!