هل نريد إعلاما حقيقيا؟
انقلب الحال.. فبعد أن كان الإعلام مشغولًا بالمواطن.. يثقفه ويهذب سلوكياته ويقدم له المعلومة.. أصبح المواطن مشغولًا به، يسخر من ضحالة فكر بعض من يطلون عليه، ويستهجن تجاوز بعضهم في حق البعض الآخر، وبعد أن كان المذيع نموذجًا يقتدي به النشء.. أصبح تحذير النشء من متابعة بعض المذيعين ضرورة حتمية، وبعد أن كان الإعلام قوة الدولة الناعمة.. أصبح نقطة ضعفها، وبعد أن كان ذراع النظام يستخدمه للردع عندما يتهدد أمن الدولة القومي.. أصبح عبئًا عليه.
كان الجميع يشكو إلى الإعلام.. فأصبحوا يشكون منه، بداية من الرئيس الذي جاهر بذلك في أكثر من محفل.. وإنتهاءً بالمواطن الذي فقد الثقة في رافد معلوماتي وتثقيفي كان الأهم بالنسبة له، المذيعون أنفسهم لم يعد يعجبهم حال الإعلام، وكثير منهم صال وجال في نقد ما يقدمه بعض زملائهم، ووصل النقد في بعض الأحيان إلى حد الهجوم، الذي تبعه هجوم مضاد، فتحولت الشاشات إلى ساحات (ردح) حتى رؤساء الهيئات الإعلامية تكررت شكاواهم من أداء المذيعين وما يقدمونه على الشاشة.. والصحفيين وما ينشرونه، يستوي في ذلك مكرم محمد أحمد وكرم جبر وحسين زين وعبدالمحسن سلامة نقيب الصحفيين ونقيب الإعلاميين حمدي الكنيسي.
وإزاء هذا الوضع غير المرضي للإعلام.. لابد أن نتساءل.. هل نريد إعلامًا حقيقيًا؟.. هل نريد إعلامًا يشارك في التنمية لا ينال منها، يبني ولا يهدم، يجمع ولا يفرق، يجذب المتلقي ولا ينفره، يعمل لمصلحة الوطن لا لمصالح القائمين عليه، يتحمل العبء مع النظام ولا يكون عبئًا عليه؟
إذا كنا نريد إعلامًا حقيقيًا فعلينا أن نقوم بعملية بسيطة من الجمع والطرح، نبادر أولًا بجمع غير المؤهلين الذين تسللوا إلى الشاشات من الأبواب الخلفية، ثم نطرحهم من هذا الكم الكبير الذي يطل علينا يوميًا، سوف نكتشف أن الأزمة بدأت تتضاءل، وعلى من دفع بهؤلاء إلى الشاشة أن ينحي رغباته جانبًا إذا كان يريد إعلامًا هادفًا، وإذا اعتقد أنه بمنأى عن ألسنة الجميع فهو واهم، لأن من دفع بهم يلوكون اسمه للتخويف والترهيب، وعليه أن يدرك أنه أساء للوطن قبل أن يسيء للإعلام، نعم.. هناك مجاملات، لكنها لا تصل إلى حد الدفع بأشباه مذيعين على الشاشة، والمخزي.. أنهم تحولوا إلى منظرين فزادوا الطين بلة.
وفي إطار الجمع والطرح.. لابد من إقلاع غير الإعلاميين من الرياضيين والفنانين والمحامين عن الحديث في غير تخصصهم، فالكلام في الرياضة أو الفن أو القانون ليس عيبًا، لكن العيب هو التنظير في السياسة بدون علم، ولو جمعنا هؤلاء وطرحناهم من هذا الكم الموجود على الشاشات سوف نسهم في حل الجزء الأكبر من الأزمة.
أما الصحفيون الذين ارتضوا أن يتوجهوا إلى التقديم التليفزيوني فعليهم الرضوخ لقواعد المهنة، أعلم أن الصحفي لديه خلفيات تغريه بالاستغناء عن الضيوف في أحيان كثيرة، لكن قواعد العمل التليفزيوني تقتضي الاستفادة من الخلفيات في التحاور مع الضيوف، كما تقتضي تلفزة هذا المخزون لأن الشاشة صورة، وكثرة كلام مقدم البرنامج تصيب المشاهد بالملل، وفرق كبير بين الكاميرا وميكرفون الإذاعة، ثم يأتي دور الهيئات الإعلامية التي أذابت عشوائية الشاشات الخطوط الفاصلة بينها، فالهيئات تحتاج إلى تنسيق أكبر قبل إصدار أي قرار حتى لا تتوه المسئولية.
إعلامنا في أزمة، ولابد من حلول مبتكرة للنهوض به حتى لا يفقد مصداقيته وينصرف عنه الجمهور، فنخسر سلاحًا ناعمًا كان الأقوى في عصور سابقة.
basher_hassan@hotmail.com