مصر تستطيع
على ساحة من المياه النيلية المباركة، كانت الدهبية تشق الماء شقا رقيقا، وعلى دفتي نهر الأقصر التليد تتراص المباني ما بين قصور وبيوت مصرية قديمة وبعض عشش لا يستطيع أصحابها أن يطالوا من البهاء ما طالته بيوت الكبار.. مساحة من الخضار تطاردها جبال شاهقة على الضفتين، وبعض معابد لا تزال تشهد بأن سكان هذا الوادي صنعوا من قبل تاريخا هو الشاهد الأول على حضارة مصر والمصريين.
الحالة السياحية بالمدينة تراوح مكانها منذ يناير ٢٠١١م.. بنايات شاهقة وفنادق عائمة لا يزال الفراغ هو أهم سكانها.. وجوه عابسة وأجساد كما الشمع تتنقل على رصيف كان منذ سنوات هو الحياة النابضة، ثم أمسى مجرد أرض تتوق لمن يطؤها من جديد، زائرا أو عاشقا أو متيما بجمالها وفتنتها وعراقتها.
طعام الغداء أشرف عليه بعناية شيف منمق، وعن يسارى الكاتب الصحفي المتألق وائل لطفى، وعن يساره يبدو السفير محمد حجازي المثقف المبهر، وكاتب التاريخ الحيوي، وعن يساره اللواء سمير طه مساعد وزيرة الهجرة وشئون المصريين بالخارج، وعن يساره تبدو الدكتورة أماني الطويل، بنفس إطلالتها المدهشة دوما.. أخذنا الحديث عن موضوع المؤتمر.. مؤتمر «مصر تستطيع» الذي عقد على أرض الأقصر المباركة، في حضور لفيف كبير من أبنائنا النوابغ بالخارج، وعدد من وزراء الحكومة.
تناول السفير محمد حجازى تفاصيل ما جرى في مفاوضات عنتيبي، وبنسق منظم شرح أبعاد القضية.. كان يقطع حديثه بمعلومات إضافية حول ما نراه متجسدا من التاريخ على ضفة الشط.. اللواء سمير انساب في حديث عذب عن جالياتنا بالخارج، وقدراتها العبقرية وإمكانية الاستفادة منها في تحقيق شعار المؤتمر.. الدكتورة أماني الطويل لا تزال تتعاطى معنا حول عشقها المتيم بملف السودان نصفنا الجنوبي، أما أنا فقد فزت بمتعة الإنصات إلى نخبة قلما تتجمع.
يبدو أن السفيرة نبيلة مكرم وزيرة الهجرة النشطة، قد اختارت أن تعقد مؤتمرها هنا، وداخل صفحة من التاريخ التليد، لتطلق على أبنائها من المصريين بالخارج «نداهة العراقة»، ربما عادوا إليها مستمسكين بما حباه الله لهم من حضارة، هي فجر البشرية ونورها وشمسها.. وفي محاولة منها لإغراء الطيور المهاجرة بالعودة، فإنها أشارت إلى أنه إن لم تكن العودة ممكنة فبالمشاركة والبناء واستعادة زمام الإسهام الحضاري الذي غاب عنا قرونا!!