سحق المعارضة
المجتمع في مصر ليس ملائكيًا، عندنا من يرتكب الجريمة، ومن يتجاوز في حق الآخرين، ومن ينافق، ومن يبتز، ومن يسعى لتحقيق مصالح شخصية حتى لو تخفى في ثوب الوطنية، ومن يزايد، ومن يستخدم سلطاته بشكل خاطئ، ومن يتربص بالآخرين، ومن يقلل من نجاحات أو إنجازات ومن يهول فيها، ولدينا قانون يتصدى للمجرمين والمتجاوزين سواء مسئولين أو مواطنين، شأننا شأن كل المجتمعات حتى التي تدعي الديمقراطية والشفافية.
وفي الظروف الاستثنائية التي تعيشها أي دولة.. تكون بعض السلوكيات استثنائية، خاصة إذا كانت هذه الدولة تتعرض لمخاطر وإرهاب جماعات ودول مثلما تتعرض مصر. وعلى الرغم من إنشغال الدولة بحرب بدأت منذ سنوات على الإرهاب حتى وصلت ذروتها حاليًا، وإنشغالها أيضًا بإنجازات تحققت.. فإنها لم تنشغل عن تفعيل القانون في مسئول ارتكب جرمًا، سواء كان وزيرًا أو محافظًا أو ضابط شرطة تعامل بشكل غير آدمي مع أي مواطن حتى لو كان مجرمًا.
وفي الظروف الاستثنائية كالتي تعيشها مصر.. قد تتسع دائرة الاشتباه وهذا طبيعي، وقد يتعرض المشتبه فيهم لبعض التجاوزات الفردية، وهذا موجود في كل الدول، والمشاهد التي نراها في دول تدعي الديمقراطية فيها من التجاوز في حق المشتبه بهم ما يودي بحياة بعضهم.
لذلك اندهشت من هذه الهبة من الإعلاميين المصريين بعد بث "بي بي سي" لفيلم (سحق المعارضة)، فالفيلم ليس الأول ولن يكون الأخير، والإعلام البريطاني لم يصدر عنه خبرًا أو تقريرًا في السنوات الأخيرة إلا وكان الهدف منه النيل من مصر والتحريض ضد النظام، فلا مبرر إذًا لهذا الكم من ساعات البث للرد على فيلم مدته دقائق، وإذا كانت هذه الهبة السبب الأول لدهشتي..
فطريقة الرد كانت السبب الثاني، فبدلًا من العصبية وسيل الشتائم في الفيلم ومن ظهروا فيه واستخدام مصطلحات تسيئ إلى الإعلام المصري وتكشف عدم وعينا بما يحاك ضدنا.. كان علينا أن نرد بنفس الطريقة ونخصص نفس المساحة، وليكن فيلمًا لن تستغرق صناعتة بضع ساعات، يتناول إستهداف الإعلام البريطاني لمصر، واستخدامه لنفس المصطلح (سحق) في أغلب تقاريره الخاصة بمصر، وهو نفس المصطلح الذي تستخدمه قيادات الإخوان منذ اعتصام رابعة وحتى الآن..
واستخدمته صحيفة التايمز البريطانية في تقرير ضد مصر بعنوان (سحق المعارضة بأي ثمن) نشرته في ١٠ فبراير ٢٠١٦ واستشهدت بجماعة الإخوان، ثم أعقبته بتقرير في الثاني من يونيو ٢٠١٧ تناول أيضًا قمع المعارضة وسحقها مستشهدة بالإخوان، وفي ٢٤ يناير الماضي نشرت صحيفة الجارديان تقريرًا لروث مايكلسن بعنوان ( مع سحق المعارضة ستكون الحملة الرئاسية شأنًا مكبوتًا ) نفس المصطلح والدفع بالإخوان نموذجًا صدر على لسان سارة ليا ويتسن المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في منظمة هيومان رايتس ووتش في أكتوبر ٢٠١٤ واستشهدت بقيادات الإخوان في لندن.
كنت أتمنى أن يتضمن الفيلم أيضًا علاقة الإعلام البريطاني بقيادات الإخوان في لندن والتي تربطهم علاقات وطيدة بالعديد من الصحف، ومنهم إبراهيم منير أمين عام التنظيم الدولي والخزينة المعنية بشراء مساحات من الصحف البريطانية، وتأجير بعض الشخصيات الحقوقية لعمل تقارير ضد مصر، وفي لندن أيضًا عبدالله الحداد نجل عصام الحداد عضو مكتب الإرشاد والمشرف على المكتب الصحفي للجماعة في لندن، وسندس عاصم المحكوم عليها بالإعدام في قضية التخابر، وهي رئيس تحرير الموقع الإلكتروني الخاص بالجماعة، ومحمد سويدان المتفرغ للحديث في وسائل الإعلام البريطانية والإخوانية.
الإعلام البريطاني تحركه أموال جماعة الإخوان، وكان لابد من هذا الربط والدفع بأدلة تفضح حالة التربص هذه التي تجلت أيضًا في تقرير ١٤ منظمة حقوقية ضد مصر، وجميعها تعمل بتمويل من مؤسسة (الكرامة) التي يرأسها القطري عبدالرحمن النعيمي، هذا التقرير تم بثه في أغلب وسائل الإعلام البريطانية، وتلقفته الجزيرة وقنوات الإخوان، مثلما تلقفت فيلم "بي بي سي".
فيلم قصير يبرز استهداف الإعلام البريطاني لمصر، وعلاقة ذلك بقيادات الإخوان في لندن، بالإضافة إلى تعقيب من متابعين.. كان الرد الأمثل على فيلم (سحق المعارضة) بدلًا من هذه العشوائية التي أصبحت من سمات إعلامنا في الفترة الأخيرة.
basher_hassan@hotmail.com