«نظام الأسد وأكراد عفرين.. أنا وابن عمي على الغريب».. الجيش السوري يرسل قواته إلى شمال البلاد لصد الهجوم التركي.. أنقرة تتوعد برد قاس.. والأهالي بين مطرقة أردوغان وسندان بشار
التفاهم بين أكراد عفرين والنظام السوري، خطوة يرى فيها البعض فصلا جديدا من التحالفات بين الطرفين بينما يفسرها البعض برضوخ الأكراد للنظام تحت وطأة الهجوم التركي.
قوات شعبية موالية للنظام السوري ستنتقل إلى عفرين خلال ساعات "لدعم صمود أهلها في مواجهة العدوان الذي تشنه قوات النظام التركي على المنطقة وسكانها منذ الشهر الماضي".. هذا ما ذكره الإعلام السوري الرسمي أمس ليتصدر اليوم عناوين الإعلام المحلي والعالمي.
خطوة جديدة قد تخلط الأوراق أكثر مما هي مختلطة أصلا وقد تغير من موازين القوى في سوريا.. تدخل النظام يطرح من جهة تساؤلات حول توقيته، ومن جهة أخرى حول طبيعة علاقته بالأكراد والتي لطالما اتسمت بالغموض.
فماذا يدور في عفرين الآن بين الأكراد والنظام؟ وهل يعني ذلك تحالفا جديدا يفرضه الأمر الواقع أم تغييرا في تحالفات الأكراد؟ وما هو الموقف التركي والروسي مما يحدث؟
معلومات متضاربة
حتى الآن لم يتضح بعد ما إذا انتقلت فعلا قوات من الجيش السوري النظامي إلى عفرين كما نقلت وسائل إعلام حكومية أمس، فبينما يصرح مسئولون أكراد بأن المفاوضات مستمرة مع النظام حول دخول قواته إلى عفرين، نقلت وكالة فرات المقربة من حزب العمال الكردستاني أن النظام والأكراد توصلا لاتفاق نهاية أسبوع الماضي يتم بموجبه إنشاء قاعدة انطلاق لجيش النظام وتوزيع بعض نقاطه على الحدود المواجهة لتركيا.
لكن المتحدث باسم وحدات حماية الشعب الكردي في عفرين نفى وجود أي اتفاق يسمح بدخول قوات شعبية أو غيرها تابعة للنظام إلى عفرين، مؤكدا أن وحدات الشعب الكردي ووحدات حماية المرأة هي وحدها من يقاتل حتى الآن في عفرين، وما يدور مع النظام هو مجرد نقاشات حول دخول قوات منه للقتال في عفرين.
رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان أكد في تصريحات لـ DW عربية التوصل لاتفاق بين الطرفين يقضي بانتشار مقاتلين من الجنسية السورية ينتمون على الأغلب لما يسمى قوات الدفاع الوطني التي يطلق عليها أيضا قوات الدفاع الشعبي في عفرين بالإضافة إلى عناصر من حرس الحدود.
وحول ما إذا وصلت هذه القوات إلى عفرين، يقول عبد الرحمن إن بعض المجموعات وصلت إلى عفرين من حلب على أساس أنهم مدنيون ولكنهم على الأرجح شبان ينتمون لقوات الدفاع الشعبي ويقدر عددهم بالمئات.
لكن لماذا يرسل الأسد قوات شعبية إلى عفرين؟ هذا السؤال تجيب عليه بنته شيلر مديرة مكتب بيروت في مؤسسة هاينريش بول، المقربة من حزب الخضر الألماني، في حوار مع DW عربية بالقول: "من جهة قوات الجيش النظامي السوري تعاني حاليا من نقص في المقاتلين، وهذا ما يفسر أيضا انتشار الكثير من الميليشيات الأجنبية التي تقاتل لصالح الأسد في سوريا، ومن جهة أخرى هذه القوات التي يرسلها الأسد وإن كانت تابعة للنظام فهي أيضا قوات دفاع مدني أي أن المواجهة هنا دبلوماسية، وتختلف عن مواجهة مع قوات تابعة كليا للجيش النظامي".
مطرقة الأتراك وسندان النظام
رد تركيا لم يتأخر، فقد حذر وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو اليوم، من أن الجيش التركي سيواجه أي قوات للحكومة السورية تدخل منطقة عفرين في شمال غرب سوريا لحماية مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية.
وأعتبر أن لا شيء يمكن أن يوقف الجنود الأتراك في هذه الحالة، لكن عبد الرحمن يقلل من أهمية هذه التصريحات على اعتبار أن تصرف النظام لن يكون دون ضوء أخضر من روسيا وبالتالي فأي تصعيد من طرف تركيا سيكون في الواقع تصعيدا مع روسيا وهو ما لا تسعى إليه أنقرة، حسب عبد الرحمن.
وعيد تركيا سبقه وعيد من الحكومة السورية قبيل انطلاق العملية التركية، بالتصدي لأي هجوم تركي على عفرين، لكن مضى نحو شهر على عملية "غصن الزيتون" قبل أن يصدر رد فعل ملموس من النظام السوري.
وعن سر هذا التأخر في الرد يقول عبد الرحمن: "هي رسالة من النظام والروس للأكراد، فقد سبق أن طلبت روسيا منهم السماح لقوات الجيش النظامي بالانتشار في مناطق سيطرتهم بما في ذلك عفرين لكنهم رفضوا، وأعطت روسيا الضوء الأخضر للأتراك للتحرك ليرضخ الأكراد وهذا ما تم فعلا، وبالتالي الاتفاق هو في الواقع انتصار للنظام.. الأكراد كانوا بين مطرقة تركيا وسندان النظام، قبلوا تدخله لترفع عنهم مطرقة الأتراك".
الأكراد والنظام
الحديث عن "اتفاق عفرين" سلط الأضواء مجددا على العلاقة بين النظام والأكراد، إذ لطالما كانت هذه العلاقة موضع تساؤلات وغموض.
فمنذ بدايات الصراع السوري بدا وكأن هناك تفاهما بين النظام والأكراد خاصة حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب وفي وقت لاحق قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من أمريكا، حتى أن بعض الأصوات من المعارضة تتهم علنا الأكراد بالتحالف مع النظام بما في ذلك الحصول على أسلحة منه وهو ما نفاه أكثر من مرة قياديون من الجانب الكردي، وحتى المناوشات بين الجانبين في بعض المناطق لم تلغ هذه الاتهامات للأكراد.
لكن ما يمكن تأكيده حتى الآن حسب بعض المراقبين هو حدوث تنسيق بين الطرفين في بعض المناطق وإن لم يعلن رسميا، وبدا ذلك بشكل جلي مثلا عندما اشتد القتال في حلب وحمص وسحب النظام قواته من المناطق الكردية للتفرغ لمعاركه هناك فتسلم الأكراد مناطقهم وشكلوا فيها إدارة ذاتية.
كما جرى الحديث عن تنسيق بين الطرفين في قتال "داعش" في الحسكة ودير الزور مثلا، ويقول رامي عبد الرحمن إن هناك مصالح مشتركة بين الأكراد والنظام خاصة فيما يتعلق بتركيا والقوات التابعة لها في سوريا، "رأينا مثلا كيف أن الروس سلموا مطار منغ العسكري وتل رفعت للأكراد بعد الاستيلاء عليهما وهو يبقى مجرد مثال، العدو المشترك بين الطرفين مهما بلغت الاختلافات هو تركيا، هي في النهاية تبقى قوة أجنبية في سوريا ومساعيها لخلق فتنة عربية كردية تخدم مصالحها ليس في صالح النظام ولا الأكراد".
وعن ماذا قد يغير التفاهم الجديد مع النظام في علاقة الأكراد بالحليف الأمريكي تقول الخبيرة بنته شيلر إن الأكراد لطالما نجحوا في المراوغة، "فتارة تجدهم مع النظام وتارة أخرى مع المتمردين".
وتضيف: "رأينا حتى مؤخرا كيف أن الولايات المتحدة ليست وحدها من يدعمهم بل الروس أيضا، ومن المهم الإشارة هنا إلى عدم وجود موقف كردي موحد في سوريا فمن جهة لطالما قمع النظام الأكراد لكنه كان في نفس الوقت يلعب مع الاتحاد الديمقراطي وأتباعه، وهذا كله يدخل في تفسير الاتفاق الذي تم التوصل إليه في عفرين مع الأسد".
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل