رئيس التحرير
عصام كامل

متى تتخلص الأحزاب من أمراضها المزمنة؟!


أرجو أن تتخلص الأحزاب من أمراضها المزمنة وأن تمارس الديمقراطية أولا بين صفوفها، وأن تطلق أيدي الشباب في تقلد المناصب داخلها، وأن تسمح بتداول السلطة بين أعضائها، وألا تظل تلهث كالنخبة في البحث عن مكاسب سياسية، وتتاجر بأحلام البسطاء رغبةً في الصعود السياسي نحو مقاعد السلطة، دون أن يكون لها وجود فعلى على الأرض.


وما يقال عن الأحزاب ينسحب على مؤسسات المجتمع المدني؛ فالفجوة تتسع يومًا بعد الآخر مع مجتمعها؛ جراء غياب الأحزاب وعدم واقعية كثير من النخب التي اتخذت من التغيير شعارًا لفظيًا دون أن تقدم دليلًا عمليًا واحدًا على قدرتها على قيادة الجماهير؛ بدليل أنها أخفقت على مدى تاريخها في تقديم مرشح رئاسي قوي يمكنه المنافسة في الانتخابات الرئاسية.. ولعل ما نراه الآن من فراغ سياسي وضعف حزبي هو الجانب الأهم من الصورة؛ فلم تشغل النخبة- أحزابًا وقوى سياسية ومجتمعًا مدنيًا- بالها بما يجري في قاع المجتمع وما يتفاعل فيه قدر انشغالها بتحقيق المكاسب والظهور في الفضائيات والإنترنت.

أروني دليلًا واحدًا على انخراط تلك النخبة بين القواعد الشعبية.. هل ضبطت متلبسة بتوعية الجماهير بضرورة تنظيم النسل أو ضرورة اكتساب ثقافة العمل والتجويد والإقلاع عن الإسراف في الاستهلاك أو إهدار الموارد.. ماذا فعلت لتجفيف منابع الإرهاب وتفنيد أسانيده المغلوطة وتصحيح مفاهيمه المضللة التي يجري بها خداع الشباب ودغدغة مشاعره والتغرير به.

إن عمر بعض أحزابنا يتجاوز الـ70 عامًا لكنها لم تنجح للأسف في استقطاب المهمشين الصامتين لاسيما الشباب، أو إقناعهم بجدوى برامجها والانخراط في صفوفها.. ولولا ما يُعلق على مقارها من لافتات أو يصدر عنها من صحف ما كنا سمعنا عنها أو رأينا لها أثرًا.. وكثيرًا ما رأينا تلك الأحزاب تتذرع بمبررات واهية من نوعية أن الحكومة تضيق عليها ولا تسمح لها بحرية الحركة بين الجماهير؛ وذلك تبريرًا لعجزها عن التواصل أو التأثير في المجتمع..

وهي الحجة التي تحطمت على صخرة ما جرى في 25 يناير وما وفرته تكنولوجيا المعلومات من كسر للحواجز وقدرة فائقة على الوصول للناس خاصة الشباب الذين يجيدون توظيفها في تحقيق التفاعل فيما بينهم بصورة فائقة؛ ومن ثم مجال للزعم بوجود تضييق على دخول الأحزاب للجامعات والمدارس أو مراكز الشباب والأندية.

لقد ارتضت الأحزاب الورقية لنفسها الكسل والدعة بديلًا عن مخالطة الناس وتحمل عناء التخفيف عنهم؛ وهو الأمر الذي دفهم للانصراف عنها ولم يعودوا يذكرون حتى أسماء تلك الأحزاب التي يمكنها التأكد من ذلك بإجراء استطلاع بسيط للرأي يقيس مدى تفاعل الجمهور معها أو علاقته بها.

ولعل عزوف المواطنين عن النخبة وأحزابها يفسر لنا لماذا تمسَّح بعض قادتها بقميص البرادعي ليطرح نفسه بديلًا لنظام مبارك.. ثم عادوا تمسحوا بالإخوان عندما استولوا على الحكم وتعاونوا معهم للوصول للبرلمان.. لكن السؤال: كيف يغيب عن بال هؤلاء أن من عجز سنين طويلة عن إقناع الناس بنفسه فأنى له أن يقنعهم بغيره؟!.. لذلك لم اندهش من عدم وجود مرشحين حقيقيين للرئاسة.
الجريدة الرسمية