"أصدقاء الأمس أعداء اليوم" العلاقة الراكدة بين الإسلاميين وأمن الدولة.. تثور الآن .. وثائق: الجهاز اتبع سياسة "تكسير العظام" مع الإسلاميين واعتمد على التفرقة بين الإخوان والسلفيين
ظلت العلاقة بين التيارات الإسلامية وجهاز أمن الدولة المنحل، غامضة لسنوات طويلة وتحيطها الشكوك وتنقصها المعلومات نظرا للسرية التى كان يتعامل بها الأمن مع ملف التيار الإسلامى وسعيه الدءوب للسيطرة على الحركات والجماعات ذات المرجعية الدينية.
ومع نجاح ثورة 25 يناير وسقوط نظام الرئيس مبارك وجهازه الأمنى، كانت مقار أمن الدولة فى مختلف المحافظات، هدفا للهجوم من قبل الثوار، الذين تم التنكيل بهم على أيدى القيادات الأمنية فى تلك المقرات، وخلال عمليات الاقتحام لعدد منها، عثر على تقارير أمنية تشير إلى طبيعة العلاقة بين الإسلاميين وأمن الدولة وإلى العقلية الأمنية التى كان يتعامل بها الجهاز مع المنتمين للتيارات الإسلامية.
كان أمن الدولة يتعامل مع الإسلاميين بطريقة علمية منهجية مرتبة ومتكاملة، إذ يقوم بعمل حصر لجميع محاور عمل التيارات الإسلامية، لتكوين تصور واضح يكشف عن هيكلها الإدارى، وتكوينها الفكرى، وقوتها العددية، وانتشارها الجغرافى، ومراكز نشاطها، ومصادر تمويلها، وطبيعة علاقاتها ببعضها البعض أو بغيرها من التيارات ، مما يوضح عوامل قوتها وضعفها ومراكز القوى والمفاصل الأساسية لها، ثم يقوم بتجميع مكثف للمعلومات عن هذه المحاور باستخدام آليات متعددة لجمع المعلومات مثل الاستدعاءات والاختراقات والمراقبات والمداهمات والتحقيقات، وتفريغ تلك المعلومات فى ملفات.
وصنف جهاز أمن الدولة التيارات الإسلامية لتحديد السياسة المثلى فى التعامل معها، وذلك باستئصالها أو إضعافها بواسطة سياسة تقوم على تجفيف الروافد البشرية والمالية والفكرية التى تغذيها وتكفل لها الاستمرار والبقاء ، كما لجأ لاستعمال سياسة "تقديم البدائل" والتى تُعد من أخطر السياسات التى تُفقد الإسلاميين زخم " المظلومية" وقوة التعاطف الشعبى، حيث تقوم فكرتها على استبدال رموز التيار الإسلامى وأطروحاته الشرعية والفكرية وجماعاته ومؤسساته بأخرى تروج لقضايا هامشية أو تدور فى فلك وتوجيهات الأجهزة الأمنية.
وعمل أمن الدولة على بث بذور الفرقة والشقاق بين الإسلاميين سواء بين عناصر الفئة الواحدة أو بين الفئات المتعددة، وذلك لاستهلاك طاقات الأفراد فى معارك داخلية، محصلتها النهائية ضعف الصف الإسلامى وتشتيت قواه ، وعمل كذلك على تهميش الإسلاميين اجتماعيا عن طريق استبعادهم من العمل بالأماكن العامة والحيوية والمؤثرة لمنع حيازة الإسلاميين لأى قوة سلطوية، خشية من استعمالها لنشر الدعوة والتأثير على مجريات الأحداث.
ودأب أمن الدولة على بث الشائعات ضد الإسلاميين، وممارسة أحد أخطر أساليب صياغة الرأى العام معهم ، وهو أسلوب استلاب المفاهيم، من خلال التحكم فى وسائل الإعلام والمنابر الثقافية والتنسيق مع أحزاب المعارضة من أجل تكوين وصياغة رأى عام مضاد للتيارات الإسلامية، وبذلك تكتمل محاور سياسة (تكسير العظام)، التى تبدأ بتجفيف المنابع ثم تقديم البدائل وتنتهى بصياغة الرأى العام المضاد مما يؤدى إلى هشاشة عظام داخلية ومناعة فكرية ضد المفاهيم الإسلامية وعزلة اجتماعية للإسلاميين تسهل على الأمن عزلهم والقضاء عليهم.
وحرص الجهاز على مراقبة أنشطة التيارات الإسلامية مع التركيز على النشاط الطلابى، حيث يمثل الطلبة الرافد البشرى التاريخى للحركة الإسلامية، لذا كان يوجد قسم خاص داخل أمن الدولة يسمى " قسم الطلبة " يعنى بمتابعة جميع مظاهر النشاط الطلابى داخل الجامعات والمدارس الثانوية والإعدادية، ويتولى مسئولية الإشراف على ضرب الفعاليات التى تقوم بها التيارات الإسلامية فى الجامعات والمدارس، و منع الشباب الملتزم من الإقامة بالمدن الجامعية للتقليل من تأثيره على زملائه، وكذلك رصد أدق مظاهر التدين على الشباب الجامعى وإحالة الإسلاميين باستمرار إلى مجالس التأديب وفصلهم لأتفه الأسباب.
وظهرت بعض الوثائق أثناء اقتحام مقار أمن الدولة تظهر العلاقة الوثيقة التى ربطت بين السلفيين والجهاز ، فحتى الآن يأخذ السلفيون أوامر من فلول أمن الدولة ، وأبشع ما فى الموضوع أنهم ينادون بدولة إسلامية ويريدون تطبيق الشريعة ، وأظهرت بعض الوثائق أن السلفيين يسعون لإعداد جيش من البلطجية يتمتع بقدرة على القتل بحرفية، ولكنه يتخفى فى ثوب الدين .
وأظهرت بعض الملفات أن أمن الدولة اعتمد على بث الفرقة بين السلفيين وجماعة الإخوان المسلمين ومنع الطرفين من التقارب فى أعقاب دراسة " الجماعة" لتجاوز نقاط الخلاف للاستفادة من انتشار السلفيين بتوسع فى بعض المناطق، حيث لجأ أمن الدولة" السابق" إلى قيادات السلفيين التى تؤتمر بأمره، لوأد هذا التقارب وقتله فى المهد.
وأشارت وثيقة تم تسريبها من مقر أمن الدولة بالشرقية، وأقرّت بصحتها جماعة "الإخوان" إلى أن الجهاز يعمل على إذكاء حدة الخلاف بين التيار السلفى والإخوان عن طريق القيادات السلفية الدعوية، وبدعوى تحصين أتباعهم من الانزلاق عن المنهج الصحيح، وفقًا لخطة مدروسة يُطبقها الجهاز، وتلك الوثيقة تؤكد أن السلفيين كانوا على علاقة وثيقة بأمن الدولة .
وفى البحيرة ظهرت وثائق تضم قوائم بأسماء المتعاونين فى المحافظة مع أمن الدولة، والتى شغل جزء كبير منها ما لا يقل عن 18 فردًا ما وصفتهم الوثيقة بـمدّعى السلفية، رغم أن السلفيين لا يمارسون السياسة ولم تكن لهم يومًا مطالب معينة، حتى إذا قتل أحد أتباعهم تحت وطأة التعذيب، كما حدث فى الإسكندرية على سبيل المثال عندما قُتل السلفى سيد بلال على خلفية تحقيق وهمى أجرى معه و4 آخرين فى تفجير كنيسة القديسين، الذى تردد بعد ذلك أن مُرتكبها ومُخططها جهاز سرى تابع لوزارة الداخلية، للضغط على قيادة الكنيسة الأرثوذكسية حتى تهدأ من ثورة أتباعها .
ثالث الحقائق أن الفتوى الوحيدة بقتل الدكتور محمد البرادعى عقب رسالته المُسجلة التى بشر فيها بالثورة ، خرجت من رجل يدعى الشيخ محمود عامر وهو أحد السلفيين أعضاء جماعة أنصار السنة المحمدية ، وسمح له بالظهور على وسائل الإعلام أكثر من مرة لبيان وجهة نظره فى ضرورة توبة البرادعى أو قتله، لتجرئه على الدعوة للخروج على الحاكم.
هذا الشخص نفسه كان صاحب الدعوى لبيعة الرئيس مبارك أميرًا للمؤمنين فى مصر، كما أجاز توريث الحكم لجمال مبارك ، وكتب مقالا على موقعه يُناصر فيه الرئيس السابق ويتحدث عن إنجازاته باعتباره قائد الضربة الجوية ، وهو نفسه الذى كتب مقالات عدة أثناء الثورة وقبلها وحتى بعدها عن تحريم المظاهرات والتشكيك فى أحقية شهداء الثورة لمكانة الشهيد وكان نفسه أحد المذكورين فى وثيقة أخرى تم تسريبها من مباحث أمن الدولة وقام بتسريبها نشطاء حزب الغد بمحافظة البحيرة تتهم الشيخ عامر بأنه أحد المتعاونين مع جهاز مباحث أمن الدولة والتى كانت عبارة عن وثيقة سرية من حسن عبد الرحمن، رئيس جهاز مباحث أمن الدولة السابق إلى مفتش مباحث أمن الدولة فرع البحيرة طُلب فيها من رئيس الفرع فحص شكوى كان قد تقدّم بها القيادى السلفى محمود عامر إلى الرئيس مبارك ادعى فيها أن ضباط أمن الدولة هددوه بالاعتقال بسبب رسالة البيعة المعلنة التى دعا فيها لمبايعة مبارك أميرًا للمؤمنين.
ويبدو أن أصدقاء الأمس أصبحوا أعداء اليوم بعد أن تحول أمن الدولة إلى الأمن الوطنى، حيث ينظم تابعو التيارات السلفية وقفات احتجاجية أمام مقر الجهاز، لإدعائهم بأن شيوخ التيار السلفى تلقوا خلال الفترة الماضية تهديدات بالقتل على يد عدد من ضباط الجهاز، مطالبين بوضع قانون خاص ينظم عمل الأمن الوطنى ، مؤكدين أنه مازال يعمل حتى الآن وفقا لقانون الطوارئ.