القبض على أنور السادات بتهمة مقتل أمين عثمان
تم القبض على البكباشي أنور السادات بتهمة الاشتراك في اغتيال أمين عثمان، وزير المالية في حكومة الوفد (يناير 1946)، وقد أودع المتهمون السجن ليقضي السادات في السجن 30 شهرًا، وأثناء وجوده في السجن مع متهمين أربعة معه يدون السادات مذكراته في الزنزانة 54 بسجن مصر تحت عنوان ( 30 يوم في السجن)، وأعادت نشرها مسلسلة مجلة "المصور" عام 1948 يقول فيها:
لقد مضى عليّ منذ نقلت إلى سجن مصر أربعة أشهر اكتنفني خلالها الظلام، ولطالما حاولت في تلك الفترة أن أسطر شيئًا لعلي أنفض بذلك عن ظهرى ما يجثم عليه من الكآبة والجمود.
لكن هيهات لى أن أجد القلم، فالأقلام هنا محظور وجودها، وغرفتي وثيابي يفتشان بانتظام ودقة مرتين يوميًا، وإن وجد القلم فلا يوجد الورق، وحيازتى ورقة بيضاء معناها جريمة.
وإذا أراد الله لى أن أجمع بين ورقة وقلم وأحتفظ بها بعيدًا عن التفتيش انتظارًا لليل.. فأين الضوء الذي يمكننى الكتابة على شعاعه؟!
فلا سبيل إلى الكتابة إذن، ولا سبيل إلى القراءة أيضًا، فقد منعت من استحضار كتب أو قراءة الصحف.
أصبحت وأنا في القرن العشرين أعيش عيشة حيوانية بحتة في قفص من الحجر طوله ثلاث خطوات وعرضه خطوتان.
إن شر ما يصاب به إنسان ذو مثل عليا هو الانحطاط العقلي، فالقراءة والاطلاع ألزم للفرد من الطعام، لكنهم في النيابة سامحهم الله لا يؤمنون بذلك فيما يظهر، بدليل أنهم أمروا بأن يطبق علينا شيء كريه من آثار الاحتلال البغيض سمي "لائحة السجون"، ذلك الأثر البربري.
لقد حاولت جاهدًا خلال هذه الفترة أن أحتفظ بشيء من معنوياتي، بعد أن فقدت كل أمل في الإنصاف والعدالة، بل لا أكون مغالبًا إذا اعترفت لنفسى صراحة بأني كدت أفقد توازني، وأن أشك في كثير من القيم.
لكن الله سبحانه وتعالى لطيف بعباده، أرادني ولباقي المتهمين في يوم من الأيام أن تزاح هذه الغمة ويسمح لنا بالاختلاط يومًا واحدًا في الشهر، وتركب الكهرباء في الزنزانة، فتضاء ليلا ويسمح لنا بالقراءة وبالأقلام والورق.
هنا بدأت الحياة تدب في نفوسنا من جديد، وكأنما أشرقت الشمس بعد طول ظلام، فهي حياة جديدة حتى لو كانت داخل القضبان.