رئيس التحرير
عصام كامل

مذكرات رئيس الجمهورية


التاريخ المكتوب هو ذلك المأخوذ عبر وثائق يستقي منها الحدث، والوثيقة ليست بالضرورة ورقة مكتوبة ومختومة من جهة في الدولة، بل من الممكن أن تكون شهادة لصانع حدث أو حتي فيلم تم تصويره  للحدث، والعجيب أن كل رؤساء مصر من أول نجيب وحتي السادات كتبوا ما يشبه المذكرات.


فنجيب كتب "كنت رئيسا لمصر"، جمال عبد الناصر كتب "فلسة الثورة"، أما السادات فقد كتب كتابين رائعين هما "ثورة علي النيل"، و "البحث عن الذات"، ولكن مبارك لم يكتب شيئا، وأعتقد أن ما تبقي من عمره لا يكفي لكتابة مذكراته وهذا ليس مدحا فيه ولا ذما أيضا، فمبارك صاحب بضع وثمانين عاما، كيف تسع ذاكرته لحكم ثلاثين عاما، شهد فيها أحداثا كثيرة منذ أن كان طالبا في الحربية ثم الجوية وانتهاء بثورة أدخلته السجن؟!!.


مذكرات نجيب جاءت في فترة كان الناس يبحثون عن فترة غائبة في تاريخ مصر، منذ عام 1925، وحتي إعلان عبد الناصر رئيسا للجمهورية، وأزمة مارس التي أطاحت بنجيب، مذكراته لا تخلو من الهجوم علي عبد الناصر ووصفه بأنه مجرد قزم ديكتاتوري تحكم في شعب قوامه 30 مليونا في تلك الفترة، وأرزاقهم، فكانت مذكراته منقسمة إلي نصفين.. الأول يصف فيه نفسه بالبطل، أما الثاني فيهاجم عبد الناصر وسياساته كاملة، وليس ذلك غريبا من رجل حكم عليه بالنفي في بيته بالمرج بقية عمره، والطبيعي أن يصب كل غضبه علي الرجل الذي فعل به ذلك.


جمال عبد الناصر كتب فلسفة الثورة، في فترة متقدمة من عمر ثورة يوليو، يشرح فيها أسباب القيام بالثورة وتنظيم الضباط الأحرار وعمله قبل الثورة ضد الإنجليز والملك وذكرياته في بدايات الثورة ولم يكتب أي شىء بعدها وانشغل بهموم الوطن وفقط.


أما السادات فكتب ثورة علي النيل، وكان يكتب في جريدة الجمهورية، ولأنه حافظ للقرآن الكريم فكانت لغته العربية مضبوطة كما كان يكتب بسلاسة رقيقة، وفي ثورة علي النيل عظم من شأن الثورة، وشأن عبد الناصر، ولكن في البحث عن الذات، عظم من شأن نفسه حتي قال في إحدي الصفحات إنه أنشأ تنظيم الضباط الأحرار وسلمه لعبد الناصر بعد سجنه في قضية أمين سامي.


المذكرات عادة لا يؤخذ بها كوثيقة للتاريخ، لأنها تكتب بشكل ذاتي منفرد للغاية، فالضرورة هنا تحكم أن يكتب الشخص من واقع مشاهداته وعينيه ولا يكون الحكم محايدا بل يتصف بالشخصانية إلي حد كبير.

هنا سؤال لابد أن يطرح.. ترى لو حاول مبارك كتابة مذكراته كم من الأشخاص سيحاولون منعه؟، فالرجل يعرف الكثير بل الكثير جدا ومشترك في الكثير بل الكثير جدا، "لاحظ الغمز واللمز في كلامي"،  لذلك أرجو من كل من عمل في النظام السابق سواء طليقا أو محبوسا أن يكتب مذكراته بحيادية شديدة لتكون وثيقة للتاريخ، ولنا نحن الشباب والشعب، لنعرف علي الأقل.. لماذا قامت الثورة، أو هل كان من الضروري أن نقوم بالثورة؟!!.

الجريدة الرسمية