رئيس التحرير
عصام كامل

«فيتو» تحاور عم صابر أقدم مشارك في معرض الكتاب.. 37 سنة في خدمة الثقافة

فيتو

بعيدا عن الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها المصريون، فإن باعة الكتب في سور الأزبكية سواء في معرض الكتاب أو خارجه هم المقصد الرئيسي للمثقفين، ليس فقط لرخص الكتب التي يبيعونها بعيدا عن حقوق النشر التي حولت شراء الكتب لسلعة ترفيهية، ولكن أيضا لأن لديهم كنوزا ثقافية لا يمكن العثور عليها في المكتبات الحديثة. 


ولأننا مجتمعات يقل فيها الاهتمام بالمكتبات العامة وتنعدم فيها سبل الوصول للمعرفة، يبقى باعة سور الأزبكية هم العمود الفقري لتثقيف المصريين. 

في أحد شوادر سور الأزبكية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، يمكث عم صابر عبده، أحد أقدم باعة الكتب في سور الأزبكية، بين أكوام من الكتب المستعملة في مكتبته بوجهه الأسمر الذي حفرت السنوات علاماتها على ملامحه، يناقش زوار شادره ويدلهم في نشاط بالغ على الكتب التي يبحثون عنها، نشاط قد لا يدل على عمره الذي تخطى الستين، ولكنه يدفعه في حب وحماس للتحرك في خفة بين كتبه التي عاش بينها عمر كامل منذ أن ترك المدرسة بعد المرحلة الابتدائية.


                        
   عم صابر عبده.. أحد أقدم باعة الكتب في سور الأزبكية

بدأ عم صابر رحلته مع عالم الكتب في سور الأزبكية بالعتبة، وكان عضوا فاعلا دائما في معرض الكتاب الذي أخذ من عمره "راقات" والذي يحكى عن عم صابر حكايات "أنا كنت موجود في معرض الكتاب من أوائل التمانينات وتحديدا عام 1981.. من أيام ما كان لسه في الأوبرا.. لفيت معاه مع السنين واتنقلت في كل الأماكن اللى اتنقل فيها لحد ما رسيت على المكان اللي أنا فيه دلوقتي ده في السور".


  
                       عم صابر: أنا في المعرض من أوائل الثمانينيات

بين كتبه المتنوعة ما بين الأدب والسياسة والدين والفلسفة والمتوفرة بلغات عدة، يجلس عم صابر متذكرًا كيف تغيرت ملامح معرض الكتاب على مر السنوات "زمان كانت الدنيا فيها تنظيم أكتر.. مساحة الشوادر كانت أكبر والإضاءة كانت أفضل، إنما دلوقتي الشوادر ضيقة والناس تحركاتها جوا سور الأزبكية بقت صعبة، والإضاءة ضعيفة وده طبعا بيأثر جدا على الناس اللي جاية تشتري الكتب.. ده غير إن مفيش في المعرض دليل يعرف الناس الأماكن اللى عايزة تروحها فين عكس زمان.. أنا بتكلم وبقول ده وأنا زعلان على التغيير ده.. نفسي المعرض يكون أحسن معرض في العالم ونفسي كل المشكلات دي ما تبقاش موجودة".


                     
عم صابر: مساحات الشوادر ضيقة وتؤثر على حركة الزوار

ليس فقط تنظيم المعرض هو ما تغير في نظر عم صابر بل أيضا طبيعة القراء وكذلك سلوكياتهم، "زمان كان الناس بتقرأ كتير والقراء كانوا بيحبوا الكتب.. كانوا يشتروها ويربطوها ويحملوها على كتفهم وهما فرحانين وكأن الكتاب ده حتة منهم.. دلوقتي الناس بتقلب في الكتب من غير أي احترام وبتبص عليها كده من بعيد مع إن الكتب واجب إن الناس تحترمها لأنها هي مصدر العلم".


               
          الكتب.. مصدر العلم واحترامها واجب بالنسبة لعم صابر

ويستكمل عم صابر ملاحظاته على التغييرات التي طرأت على المعرض وزواره على مر السنوات "بقيت بشوف دلوقتي إن ناس كتير متعلمين بس مش متعلمين.. مش متعمقين في تخصصاتهم.. وبعض الطلاب عايشين وهم إنهم متعلمين.. وبعضهم مجبرين يقروا لزوم الجامعة ومتطلباتها، عكس زمان الناس كانت مثقفة وبتحب القراية بجد".


                          
عم صابر: زمان الناس كانت مثقفة وتحب القراءة بجد

عن الأسعار وزيادتها يحكي عم صابر الحكايات، يتذكر جيدا حينما كان يبيع الكتاب بقرش صاغ ثم قرشين وبعدها ٨ صاغ ثم بريـال حتى وصلت إلى الأسعار الحالية.. عشرين جنيه، "الأسعار اتغيرت جدا عن زمان وزادت مع زيادة كل حاجة"، ولكن وبالرغم من الزيادة في الأسعار فإن الإقبال على القراءة لم ينقطع كما يؤكد هو، فلا يزال هناك بالرغم من كل شيء قلة تحترم الكتب ولا يزال هناك من يقدرها ومن يقبل عليها في كل المجالات ولكن بطبيعة الحال ليس كما كانت الأوضاع في الماضي حيث كانت الفئات كلها تقرأ "زمان.. المدرس كان بيقرأ والمحامي والدكتور.. دلوقتي مش كل الناس للأسف بتقرأ".


                               
  لا يزال هناك من يقدر الكتب ويقبل عليها 

وعن ظاهرة الكتب الإلكترونية ومدى تأثيرها على شراء الكتب الورقية، يؤكد عم صابر أن هذا التهديد لا وجود له حتى وإن ارتفعت أسعار الكتب الورقية وأصبحت "نار"، فبالرغم من كل شيء لا يزال عشاق الكتب لا يهدأ لهم بالا إلا والكتب الورقية بين أيديهم وبجانبهم، والكتب الإلكترونية قد تكون مجانية ولكن الإنسان سيدفع ثمنها لاحقًا من نظره وصحته ولا يمكن أن تتساوى في المكانة حتى الآن مع الكتب الورقية التي لا يزال لها بريقها الخاص.


                         
 للكتب الورقية بريقٌ لم تؤثر عليه بعد الكتب الإلكترونية

شادر مكتبة عم صابر لا يهدأ ولا يخلو من الزبائن الذين يأتون إليه خصيصا، فهم يثقون في فهمه لهم ولمتطلباتهم ويؤمنون بقدرته على إحضار ما يرغبون من الكتب لهم، فهو يتعامل مع الكتب من منطلق أنها كنز، ويؤمن أنها نعمة من نعم الله على الأرض فهي كانت سببًا في تعلمه ما لم يعلم يوما، فقد كانت هي مدرسته الخاصة، منها تعلم الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية وهو الذي خرج من المدرسة بالكاد "يفك الخط"، أما حاليًا فقد أصبح خبيرًا باللغات بفضل الكتب.


                                
   كتب اللغات تزين أرفف مكتبة عم صابر 

ومن الكتب أيضًا تطور فكر عم صابر فانغمس في بحر الفلسفة، فقرأ في الفلسفة الأمريكية واستفاد منها وأخذ منها ما يتناسب مع طبيعة أفكاره، كما غذت كتب عبد الرحمن بدوي وعبد الغفار مكاوي فكره ودفعته لأن يرى الدنيا بعين مغايرة "العلم نور وهو أهم حاجة في الدنيا.. أنا ولادي الأربعة كملوا تعليمهم.. ونفسي الناس تقدر العلم لأن كل حاجة العالم كله وصل ليها كانت بالعلم والعلم ده كله في الكتب دي.. وعشان كده المعرض ده المفروض إنه مركز للعلم ولازم نهتم بيه ونخليه أحسن مكان". 


                                عم صابر بين كتبه.. التي علمته ما لم يعلم

الجريدة الرسمية