الإدارية العليا تودع حيثيات رفض تحميل الدولة خسائر ثورة يناير.. المحكمة: الشركات تتحمل 75% من خسارة المشروعات.. وغرامات التأخير لا تتناسب مع الظروف الطارئة
أودعت المحكمة الإدارية العليا حيثيات حكمها برفض طلب إحدى القرى السياحية بمحافظة البحر الأحمر بإعفائها كاملًا من الإيجار السنوي من ثورة يناير حتى ثورة يونيو وإلزامها أن تتحمل وتتشارك مع الدولة مقدار الخسائر بواقع ٧٥٪ ودون الاستجابة لطلب الجهة الإدارية بغرامات التأخير للظروف الطارئة التي لا تتناسب طبيعتها مع فرض غرامات التأخير.
وكانت المحكمة عقدت جلستها اليوم برئاسة المستشار يحيى خضري نوبي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين ناصر رضا عبد القادر ونجم الدين عبد العظيم والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي وعبد النبي زاهر نواب رئيس مجلس الدولة.
ثورة طارئة
وقالت المحكمة، إن ثورة 25 يناير 2011 وظروفها وما أفرزته من اضطرابات اجتماعية واحتجاجات وقطع الطرق وتعطيل للمصالح متأثرة بحالة الانفلات الأمني والتظاهرات والاعتصامات التي عمت ربوع مصر، وما إلى ذلك من ظواهر أدت لتعطيل حركة العمل بالمشروعات المتعاقد عليها قبل الثورة
وأضافت أنه من هذا المنظور فإن الثورة تعد من قبيل الظروف الطارئة، فلا يمكن اجتنابها ولا توقعها ولا يستطيع الإنسان دفعها وهي خارجة عنه، وقد انهكت الحكام وفاجأتهم فناهيك عن عموم المتعاقدين، وهي إن نشأت لا دخل للمتعاقد فيها ولا خطأ سابق للجهة المتعاقدة تسبب في اندلاعها، فإنها ولا شك ظروف طارئة تقتضي المشاركة بين الدولة ومتعاقديها على أساس المسئولية الاجتماعية لهما بلا خطأ.
وذكرت المحكمة أنه يتعين التفرقة بين القوة القاهرة التي تجعل التنفيذ مستحيلًا استحالة مطلقة وبين الظروف الطارئة التي تجعل التنفيذ مرهقًا لا مستحيلًا، أن تطرأ خلال مدة تنفيذ العقد الإداري حوادث أو ظروف طبيعية أو اقتصادية أو من عمل جهة إدارية غير الجهة المتعاقدة أو من عمل أي إنسان آخر لم يكن في حسبان المتعاقد عند إبرام العقد ولا يملك لها دفعًا من شأنها أن تنزل به خسائر فادحة تختل معه اقتصاديات العقد اختلالًا جسيمًا
وأوضحت أنه إذا ما توافرت هذه الشروط التزمت جهة الإدارة المتعاقدة بمشاركة المتعاقد معها في تحمل نصيب من الخسارة لتنفيذ العقد على نحو يكفل حسن سير المرفق العام بانتظام ، على أن هذا التعويض لا يشمل الخسارة كلها ولا يغطي إلا جزء من الأضرار التي تصيب المتعاقد وليس له أن يطالب بالتعويض بدعوى أن أرباحه قد نقصت أو لفوات كسب ضاع.
وأوضحت المحكمة أنه عن طلب الشركة الإعفاء الكلي من القيمة الإيجارية بحجة الاستناد إلى البند الثاني عشر من العقد من أنه "في حالة حدوث قوة قاهرة أو كوارث طبيعية أو بيئية أو الحروب والأعمال العسكرية المؤثرة على التدفق السياحي في مصر التي تؤثر على ذلك أو أي أحداث أو ظروف قهرية تؤثر على التدفق السياحي إلى مصر بصفة خاصة وصدور قرارات سيادية بذلك يحق للطرف الثاني الإعفاء من سداد القيمة الإيجارية عن كامل تلك الفترة " فوفقًا لصراحة هذا الشرط فإن إرادة الطرفين قد تلاقت حول صدور قرارات سيادية بما تقدم وهو الأمر الذي أجدبت عنه الأوراق فهذا الالتزام التعاقدى معلق على شرط واقف فإن تحقق قام الالتزام العقدي وإن لم يتحقق – كما هو الشأن في الحالة الماثلة – لم ينشأ الالتزام بالإعفاء الكلي أصلًا.
شلل مرافق الدولة
وأضافت المحكمة أن الثابت من الأوراق أن إحدى الشركات لإدارة الفنادق العائمة قد رسى عليها المزايدة بقيمة (13 مليون جنيه) سنويًا على أن تزاد هذه القيمة بواقع 5% عن كل عام ابتداءً من 1/7/2013 ولمدة عشرين عامًا لعقد استغلال منشآت إحدى القرى السياحية مع محافظة البحر الأحمر ، ولما اندلعت ثورة 25 يناير 2011 في البلاد أثناء التنفيذ العقد محل النزاع، وأعقب نشوبها شلل بكل مرافق الدولة وانفلات أمني في كل أرجاء البلاد مما كان له آثار سيئة على حركة سياحة لأهم مصادر الدخل القومي وأنهكت الاقتصاد المصري وعطلت التدفق السياحي وبدا عدم قدرة المنشآت السياحية والفندقية على الوفاء بالتزاماتها تجاه جهة الإدارة أو حتى السائحين متلقي الخدمة.
وأضافت أنه ظل الانفلات الأمني وأعمال البلطجة وغياب الدور الرئيسي للدولة جاسمًا على جسد مصر حتى 30/6/2012 بانتخاب رئيس مدني منتخب للبلاد، وظن الجميع أن النشاط السياحي سيعود أفضل مما كان أو على الأقل مثلما كان قبل نشوب ثورة 25 يناير 2011، إلا أن الأمور تدهورت وصُدم ما كان يحلم به الشعب المصري وساءت أحوال البلاد أكثر مما كان ونشبت الخلافات بين جميع طوائف الشعب المصري وداخل الأسرة المصرية المتماسكة عبر التاريخ.
وأشارت المحكمة إلى أن تدهور البلاد ما كان ذلك سيحدث بسبب خلط الدين بالسياسة واستغلال الدين كأداة للوصول إلى مقاليد السلطة والحكم في البلاد لجماعة استخدمت العنف طريقًا وحُل حزبها وصُفيت أمواله واَيلولتها إلى الخزانة العامة للدولة بحكم بات من هذه المحكمة من إحدى دوائرها
مواجهة الإرهاب
وتابعت أنه صدر قانون 94 لسنة 2015 لمواجهة الإرهاب وأصبحت الأمور عبارة عن مواجهة غير آمنة بين جماعة صُنفت بأحكام القضاء الجنائى بالإرهابية وبين باقي طوائف الشعب المصري مما كان له أثر كبير في هجرة السائحين نتيجة قيام الدول الأجنبية الأكثر عشقًا لتاريخ مصر واَثارها وعقبها بتحذير مواطنيها بعدم السفر إلى مصر بسبب سوء الأوضاع فيها مما ترتب عليه أن أجدبت الأرض بمعابدها وآثارها التاريخية من زوارها السائحين شاهدة على فترات الركود والوهن، شاخصة على إهانة قيمة الأثر والحط من معنى التراث ومن خلفهم الأهرامات الشامخة وهي التي لم تتبدل ولم تتغير من مكانها المكين ولو انتقل القلب من اليسار إلى اليمين.
وأوضحت المحكمة أن السياحة ظلت مصابة بالتدهور حتى صحوة الشعب التي أضاءت الطريق وأوقفت نزيف التدهور والانهيار وبددت آمال جماعة العنف ليعيد مصر لدورها الحضاري والسياحي وقامت ثورة 30 يونيو 2013 التي وصفتها ديباجة دستور 18 يناير 2014 (ثورة 25 يناير 30 يونيو، فريدة بين الثورات الكبرى في تاريخ الإنسانية، بكثافة المشاركة الشعبية التي قدرت بعشرات الملايين، وبدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مشرق، وبتجاوز الجماهير للطبقات والأيديولوجيات نحو آفاق وطنية وإنسانية أكثر رحابة، وبحماية جيش الشعب للإرادة الشعبية وبمباركة الأزهر الشريف والكنيسة الوطنية لها، وهي أيضًا فريدة بسلميتها وبطموحها أن تحقق الحرية والعدالة الاجتماعية معًا.
وتم وضع خارطة طريق للوصول إلى بر الأمان وتم تعيين رئيس المحكمة العليا الدستورية العليا رئيسا للبلاد لحين انتخاب رئيس جديد للبلاد وأصبحت البلاد تشهد حالة من الهدوء والاستقرار شيئًا فشيئًا، وصاحبهما عودة حركة السياحة ببطء شديد، وكانت الفترة من نشوب ثورة 25 يناير 2011 حتى ثورة 30 يونيو 2013 عصبية على الشعب المصري بما تحمله من آلام وأحزان ألقت بظلالها على كل شيء، ومنها العقود الإدارية في مجال السياحة كالعقد الماثل، حتى تم انتخاب رئيس جديد للبلاد التف حوله المصريون وفوضوه في أمرهم داعمين له في مواجهة الإرهاب، عازمون معه على النحت في الصخر لرفعة البلاد وعلو شأنها.
رأس المال والدولة
وانتهت المحكمة إلى أن ثورة 25 يناير2011 تعد من قبيل الظروف الطارئة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي - وإن لم يصبح مستحيلًا- صار مرهقًا للشركة المذكورة بحيث يهددها بخسارة فادحة تجاوزت الخسارة العادية التي لا يمكن احتمالها على نحو اختلت معه اقتصاديات هذا العقد اختلالًا لم يمكن تلك الشركة من الوفاء بالتزاماتها العقدية في دفع مقابل الاستغلال لجهة الإدارة
مما يقتضي إبراز حكمة القانون في تفسير التعامل بين رءوس الأموال والدولة لمواجهة الأزمات والتحديات للظروف الطارئة يقتضى المشاركة بينهما مشاركة يتحقق معها معادلة التوازن ونقطة التعادل بين الحق والمسئولية باعتبار أن التنمية شراكة بين الدولة ومواطنيها لصياغة العقد الاجتماعي لا الاعفاء المطلق من المسئولية العقدية فتتكبل الدولة بأعباء لا يُمكَنها من التعافي.