عبد الناصر.. والسيسي.. وانتخابات الرئاسة!
تدور حوارات كثيرة هذه الأيام بمناسبة المئوية لميلاد الزعيم جمال عبدالناصر، ومع كل التقدير للقائمين عليها سواء الدولة أو بعض الأحزاب والهيئات المحبة، فإن ما يقدم ينقصه الرؤية والأسلوب العلمى، لأن ما يقدم حتى الآن يغلب على الحوار نفس الأسلوب العنترى الخطابي، وتكرار ما سبق من كلمات رنانة وشعارات تحتاج إلى الدراسة وليس بترديدها "عمال على بطال"، أذكر في عام 2002 وكانت بمثابة "نصف قرن على ثورة 23 يوليو" عندما فكرت وقبلها بعام كامل عن كيفية وأسلوب التقديم لهذه التجربة التي غيرت وجه الحياة ليست في مصر فقط بل تجاوزت الحدود الجغرافية.
تم إعداد برنامج يتضمن أربعة عشر محورا، تم تقديمها على مدار أربعة عشر أسبوعا بانتظام في مركز رامتان طه حسين (الذي كنت أتولى إدارته وقتها)، شارك فيه جميع ألوان الطيف السياسية، شارك فيها من الوفديين والإسلاميين أعدى أعداء الثورة، شارك فيه من رفعتهم الثورة ومن سجنتهم، شارك فيها 37 شخصية منها على سبيل المثال د.عزيز صدقى، د.عبدالعزيز حجازى، وأيضا محمود أباظة القيادة الوفدية، وشارك المستشار طارق البشرى، ود.محمد سليم العوا الذين يعدان من أبرز الأصوات الإسلامية، وأيضا كان حاضرا المفكر اليسارى محمد عودة، د.عاصم الدسوقى، وأيضا د.جلال أمين، بهاء طاهر، الفريد فرج، الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى.. وغيرهم.. إلخ.
كان الهدف هو تقييم تجربة الثورة بعد نصف قرن عليها، والحقيقة كان عملا رائعا لأنه لم يكن مكلمة، ولكن حوارا جادا والاختلاف هنا طبيعي حول تجربة ثورة يوليو!.. ولكن ما تم في المئوية لميلاد عبد الناصر، وضح تماما غياب دور الدولة الممثل في وزارة الثقافة وأيضا وزارة الشباب والتربية والتعليم والتعليم العالى، الجميع غائب تماما عن الوعى والقدرة على تقديم عمل بأسلوب علمى مفيد للمجتمع بدلا من حشد أنصاف ومدعي العلم والثقافة في يوم وينفض المولد، الذي عادة يكون بلا حمص!
وأطرح سؤالا: هل الهدف هو صناعة أو ترسيخ صورة لشخص ما ليكون منزها أو معصوما أو صنما نسجد له؟ إطلاقا الهدف من ذكرى ميلاده المئوية لتكون لنا مدخلا مهما لدراسة تجربة تعد من أهم التجارب في العالم، دراسة التجربة ومحاولة استخلاص منها الفوائد لعالمنا الذي نعيشه اليوم ولمستقبل نحلم أن يكون أفضل لنا وأحفادنا من بعدنا، لم يكن صاحبة نظرية سياسية بقدر ما كان يحمل احلام وهموم فقراء الشعب، حاول، واجتهد، وكان أمينا ووطنيا، وأخفق، واعترف.
حاول بقدر قدرته واجتهاده هو ومن معه من رجال آمنوا بفكر ثورة 23 يوليو، وهنا أتذكر سؤالا طرحته على المستشار طارق البشرى أمام مائة وعشرين من جمهور أحد الندوات وأمام كاميرات التليفزيون، قلت سيادة المستشار نريد شهادتك التي ستقابل بها الله يوم القيامة عن نكسة يونيو وهل أسبابها هو قرار عبد الناصر إغلاق المضايق!؟
ساد القاعة الصمت وكأنها خاوية تماما، وأخذ المستشار برهة من التركيز والتفكير العميق ثم قال: لا شك أن عبدالناصر كان وطنيا شديد النقاء في وطنيته، أما حرب يونيو وما حدث ليس سببه إطلاقا إغلاق المضايق، ولكن كان هناك قرار بضرب مصر، لأنها حققت خطوات ونجاحات كبيرة، فلأول مرة يكون هناك خطة خمسية وتنفذ وبدأت مصر مرحلة في النمو والتقدم غير متوقعة!.
وقد لا يعرف البعض أن الكثير من أبناء تجربة ثورة يوليو 1952 يرون أن الثورة انتهت برحيل الزعيم جمال عبدالناصر، لأن السادات انقلب على كل منجزات ثورة يوليو!
من الطبيعى أن نختلف سياسيا حول تجربة الزعيم جمال عبد الناصر الممثل أو رمز ثورة 23 يوليو، فالإخوان المجرمون يطلقون عليه الطاغوت لأنه حاربهم وخلص مصر من أفكارهم الإرهابية، والوفديون لأنه حرمهم من العمل السياسي وصادر أجزاء من أملاكهم، وهناك فصيل ثالث وهم من كان خير ثورة يوليو عليهم من توزيع الأرض وتعليمهم وتشغيلهم من خلال الدولة، ولأنهم في الأصل نماذج غير سوية، فإنهم ينكرون كل من كان له فضل عليهم، هؤلاء جميعا، ولكن يبقى الشعب هو صاحب الكلمة.
لا تزال أغانى ناصر الوطنية تلهب المشاعر وتضج بها الميادين في كل ثورة، حتى في 25 يناير كانت شعارات الميادين هي شعارات ثورة يوليو "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية" لايزال عبدالناصر يمس قلوب الفقراء وقلوب الأغلبية العظمى من الشعب المصرى.
وبعيدا عن السياسة أذكر موقفا إنسانيا لهذا القائد، فقد اشترى سيارة لوالده، ولكنه لاحظ أن فواتير البنزين ترتفع من شهر إلى الثانى، فاستدعى مدير مكتبه سامى شرف وأبلغه أن يسأل عن السبب، فلما سأل سامى شرف والد جمال عبدالناصر، غضب وترك مفتاح العربية وذهب إلى محطة مصر للسكك الحديدية، فلما علم عبد الناصر أرسل سامى شرف إلى والده لإحضاره، ولما جلس معه، يطيب خاطره، ولكنه قال: يا والدى هذه الفواتير بتخصم من مرتبى وأنا مرتبى ليس كبيرا!
هذه قصة قصيرة عن الرئيس الإنسان أمينا على أموال الدولة لدرجة أن بنزين سيارة والده تخصم من راتبه! رحم الله الزعيم جمال عبدالناصر.
الأمر الثانى انتخابات الرئاسة القادمة، والحقيقة هي مآزق شديد لأن الرئيس السيسي ليس له منافس، أو حتى اسم يليق بالترشيح لمواجهة السيسي، والسبب أن كل من حاول ممارسة السياسة كانت بين هاوى لا يعرف شيئا عن حقيقة السياسي، من التحام بالشارع، وقضايا الوطن والمواطن، وبين سياسي محترف لم يفعل شيئا سوى السب والقذف على كل شىء، وبالتالى فقد الشارع في الجميع، واصبح السيسي بتجربته في السنوات الأربع -بصرف كم من الإنجازات قد تحقق وكم من السلبيات- ولكنها تؤهله لاستمراره، وتكون الولاية الثانية الأفضل بإذن الله..
وهناك قضية علينا أن نتعلمها، ليس مهما أن تكون نتيجة الانتخابات فوق 90%، وليكن 2% او1% ولكن بمجرد النتيجة كما يحدث في الدول المتقدمة يلتف الجميع حول الفائز، وليس يتربص بكل كلمة وكل خطوة وكل قرار..
في الانتخابات الماضية منذ أربع سنوات كتبت في هذا المكان، علينا أن نعد العدة للاجابة على السؤال: الرئيس بعد ثماني سنوات من سيكون!؟ للأسف مرت أربع سنوات في السب والشتائم وأتمنى ألا نضطر بعد أربع سنوات من الآن التفكير في تغيير الدستور!