رئيس التحرير
عصام كامل

سقط محافظ وصعد مواطن المنوفية!


لأن الخير والشر يتصارعان داخل الإنسان، فعندما ينتصر الشر جولة داخل إنسان ضعيف الإيمان غير قانع برزقه، ينتصر الخير جولات أخرى داخل إنسان قوي الإيمان، راضيا بما قسمه الله له، ولأن آيات الله في خلقه متعددة فقد قرأنا خلال اليومين السابقين خبرين في جريدة واحدة، أما الأول فيتحدث عن سقوط محافظ المنوفية في قبضة الرقابة الإدارية في واقعة فساد متلبسًا بالحصول على رشوة تزيد على مليون جنيه لتسهيل الحصول على أراضٍ لرجال أعمال عشية وصول الرئيس للمحافظة لافتتاح مشروعات جديدة، وكان آخر تصريحات السيد المحافظ "سنضرب على الفساد بيد من حديد"! وعن الخبر الثاني فيتحدث عن صعود الخير والأمانة على يد أحد مواطني المنوفية الشرفاء البسطاء، والذي عثر على شنطة بلاستيك سوداء في طريق عودته إلى منزله بمركز الشهداء بذات المحافظة وعندما فتحها وجد بها مبلغًا بنحو "مليون و٣٩٤ ألف جنيه"، ليبذل كل جهده ويعيدها لصاحبها دون الحصول على أي مكافأة!


الأستاذ هشام عبد الباسط حسب آخر تعديل تم على موقع ويكيبديا بعد ٥ ساعات من القبض عليه، وبعد أن تم حذف لقب دكتور من وصفه، واستبدله بأستاذ وتم حذف حصوله على شهادة الدكتوراه من كامبريدج، والاكتفاء بحصوله على ليسانس آداب وحقوق، وهو المشهد الذي يعيد إلى الأذهان اتهام مستشار المحافظ الأسبق له بتزوير شهادة الدكتوراه الذي يدعي حصوله عليها من كامبريدج، وذلك بعد ٨ شهور فقط من توليه منصب المحافظ في ٧ فبراير ٢٠١٥، مؤكدًا أنه لم يذهب في حياته إلى لندن وأن مثل هذه الدرجات العلمية لا تمنح عبر الإنترنت، ومستشهدًا بلقاءين مسجلين للمحافظ في برامج بمحطات فضائية ادعى في أحدهما أنه حاصل على الدكتوراه في القانون، وفي برنامج آخر ادعى أنه حاصل على الدكتوراه في الإدارة المحلية، ذاكرا عنوان رسالة عن الإدارة المحلية في مصر..

وتعجب قائلا: هل يتم تغيير مجال الدكتورة حسب الفصول، ثم يغلق الباب على هذا الاتهام ويظل المحافظ في منصبه لمدة ثلاث سنوات إلي أن نصل إلى مشهد النهاية، وخبر إلقاء القبض عليه ليدلل على صحة ادعاء المستشار الأسبق وأعتقد أن من قام بالتعديل يتمتع بجهل أعماه أن موقع ويكيبيديا يرصد تاريخ وزمن آخر تعديل ومن قام به!

أظن أن من استمع إلى السيد محافظ المنوفية المحتجز في قضية فساد يتحدث لمدة دقيقتين على الأكثر لم يشك لحظة أن أعلى مؤهل دراسي حصل عليه سيادته قد لا يتجاوز الدبلوم الفني على أقصى تقدير، وهنا السؤال على أي أساس تم اختياره؟ ولماذا استمر في منصبه لقرابة ثلاث سنوات والمحافظة لا تشهد أي تقدم؟ حالة هذا المحافظ بالتحديد لم تكن مفاجأة للكثير من المتابعين للشأن العام وأعتقد أن حالات الفساد التي لم تكتشف بعد كثيرة ولولا جهود الهيئة الهندسية لكان الوضع سيئًا!

ولأن شعاع النور دائمًا يأتي بعد الظلام فإن الأستاذ المحترم "مصطفى إبراهيم سليم" أعاد لنا جميعًا الأمل عندما أعاد شنطة بلاستيك بها مبلغ يقترب من نفس مبلغ رشوة السيد المحافظ هشام عبد الباسط، الأستاذ مصطفى إبراهيم سليم العامل الإداري بمستشفى الشهداء العام، والذي يتقاضى راتبًا بنحو "١١٠٠ جنيه" ولديه من الأبناء ٥ ويبلغ من العمر ٣١ عامًا، وحاصل على دبلوم تجارة، ويدرس بكلية التجارة، للحصول على شهادة جامعية حقيقية غير مزورة..

وكما اجتهد في حياته بشرف وأمانة وإخلاص، اجتهد أيضًا بكل الطرق ليعيد المال إلى صاحبه مندوب تحصيل شركة الأدوية الذي لم يصدق ما حدث، ويكون هذا الرجل الأمين سببًا في الحفاظ على عمل وفتح بيت هذا المندوب البسيط الكادح، ولا يأخذ منه أي مكافأة، رغم أنه عرض عليه أن يعطيه قطعة أرض يمتلكها مساحتها لا تزيد على ٦ قراريط، ليرفض الأمين المحترم مصطفى إبراهيم سليم ويطلب منه الدعاء له ولأبنائه بالستر، بل يستأجر له "توك تك" ليقوم بتوصيله إلى منزله! الله أكبر عليك يا أستاذ مصطفى إبراهيم سليم الله الله الله!

الفرق بين الشخصين هو الفرق بين النور والظلام، وهو الفرق بين الخير والشر؛ ولأن مصر لن تقوم لها قائمة بالظلام والشر، فلابد أن يستطيع القائمون على أمور وطننا التفرقة والتمييز من البداية بين مصدر النور ومنبع الظلام، وبين أهل الخير وأهل الشر! وتحية من القلب لجهاز الرقابة الإدارية الهمام الذي أتاح لي الفرصة أن أكتب "سقط محافظ المنوفية وصعد مواطن المنوفية".
الجريدة الرسمية